بين النجاشي وميركل

قال أحدهم عن النجاشي ملك الحبشة، إنه أول حاكم فتح باب اللجوء لبلاده دون أن يطلب وثائق وجوازات سفر، ليس هذا فقط بل أجرى أقصر مقابلة عرفها التاريخ لمنح حق اللجوء، بخلاف ما يمر به اللاجئون اليوم من سلسلة مقابلات تجريها الأمم المتحدة والبلد المستقبل تأخذ سنوات من الزمن، كان ذلك قبل 1444 سنة عندما لجأ المسلمون الأوائل إلى الحبشة، مضت القرون فوجدنا أنفسنا نعيش حالة مشابهة في أيامنا هذه.
أكثر من 14 قرناً مرت عبرنا خلالها البحر ثلاث مرات، كانت أول مرة عندما عبرنا البحر الأحمر إلى الحبشة لاجئين، والثانية بعدها عندما عبرنا البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا فاتحين ننقل عدالة الإسلام، والثالثة اليوم نعبر البحر المتوسط مرة أخرى لكن لاجئين، وبين العبور الأول والثالث ثمة مشتركات ومفارقات مؤلمة، يشترك العبور الأول مع الثالث بالسبب، فكلاهما كان بسبب الظلم والفرار بالنفس وطلب الحفاظ عليها، لكن المفارقة تمكن في أن العبور الأول كان هرباً من مكة أرض الكفر وقتها والمحاطة ببلاد الكفر إلى أرض العدل فالمشركون في قريش هم الحكام، بينما في العبور الثالث الهرب فيه من بلاد المسلمين (العراق وسوريا) التي يدعي حكامها أنهم على دين الإسلام تقف خلفهم من تسمي نفسها الجمهورية الإسلامية وتحيطهم بلاد المسلمين، من المشتركات أيضاً.
في العبور الأول تعاطف أهل الحبشة النصارى مع اللاجئين المسلمين ورحبوا بهم، وكذلك اليوم في العبور الثالث تعاطف الأوربيون مع اللاجئين المسلمين ورحبوا بهم، لكن المفارقة تكمن في أن اللجوء في العبور الأول كان بنية مؤقتة واستمر 19 سنة أما العبور الثالث فهو بنية الذهاب بلا عودة.
لقد برز في العبور الأول اسم ملك الحبشة النجاشي منقذاً وكان مسيحياً له سلطة سياسية ودينية، وبرز في العبور الثالث اسم مستشار ألمانيا أنجيلا ميركل بصفتها منقذة تتزعم حزباً مسيحياً وتقف على رأس سلطة سياسية، لكن المفارقة أننا لم نقرأ في العبور الأول أن أحداً من اللاجئين أطلق على مولوده اسم النجاشي في حين سمعنا أن عدداً من اللاجئين أطلق على اسم مولودته «ميركل»، كذلك كان اللاجئون في العبور الأول يقفون أمام النجاشي يحدثونه بما يناسبه من الأدب ويحفظ عزهم، لكننا في العبور الثالث شاهدنا من اللاجئين من يطلق على «ميركل» صفة «عمتنا» وتعلمون أن العرب الأحرار يستنكفون عن مناداة أحد «عمي» ما لم يكن كبير سن أو للاحترام.
هنيئاً لأوروبا سيل اللاجئين العرب، التي بقليل من التوجيه ستجدد بهم شبابها وسيحافظون على حضارتها وبقائها.

بقلم: د. فراس الزوبعي