العرض الثاني للفيلم يقترب من نهايته

متابعو الأفلام الأمريكية يشاهدون عرض الفيلم أكثر من مرة، وفي كل مرة يعيشون أحداثه كما لو أنهم يشاهدونه أول مرة، ذلك أن الصانع الأمريكي يهتم بعنصر الإثارة والتشويق دائماً في صناعته للأفلام.. هكذا هم الأمريكان متميزون حتى في صناعة الأحداث والمشاكل.
غزوهم واحتلالهم للعراق فيلم متعدد الأجزاء، ما يعنيني هنا ذلك الجزء الذي عرض بين 2006-2007 ثم أعادوا عرضه في 2014 ومازال مستمراً حتى اللحظة، وإليكم أحداث العرض الأول؛ الميليشيات الشيعية وتنظيم القاعدة ينشطون بشكل متوازٍ بداية 2006، وفي فبراير من العام نفسه تفجيرات تضرب المراقد المقدسة عند الشيعة في سامراء، فيندفع إلى الشارع أفراد تحرضهم العمائم، وتبدأ حملات الإبادة الطائفية والخطف على الهوية، وعمليات تعذيب تنحي لها محاكم التفتيش تواضعاً، وتهجير ممنهج يملأ سوريا والأردن وكردستان بملايين المهجرين وتفتح الأمم المتحدة أبوابها لطالبي اللجوء وتبدأ عمليات الشحن البشري إلى أمريكا وكندا والسويد.
في المقابل تنظيم القاعدة يبدأ هو الآخر عمليات قتل يوظفها إعلامياً، ويسيطر على مناطق بعينها لتكون معاقل له ثم يعلن «دولة العراق الإسلامية»، وفجأة في منتصف 2007 تظهر الصحوات قوية وبشكل متسارع تكتسح التنظيم وتعزله في صحراء الأنبار، يتزامن معها ضربات الأمريكان للميليشيات الشيعية في بغداد، وتشن حكومة المنطقة الخضراء عملية صولة الفرسان في البصرة لتكتسح الميليشيات مع أنها كانت راعيتها.
إليكم الآن إعادة العرض للجزء نفسه؛ تبدأ الميليشيات بالظهور مرة أخرى في 2014 يقابلها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش»، فجأة يسيطر هذا التنظيم على الموصل في يونيو 2014 ويعلن الدولة الإسلامية، فتنطق العمائم مرة أخرى ويفتي مرجعهم بالقتال وتندفع الميليشيات إلى الشوارع من جديد وتستعرض في مناطق محددة، ثم يسيطر تنظيم الدولة على قاعدة سبايكر ويقتل مئات الجنود الشيعة، وتبدأ بعدها حملات الانتقام من الأبرياء فكان القتل وحرق الجثث وتقطيعها، ففرز ذلك ملايين المهجرين قسم منهم على حدود كردستان والآخر في تركيا هذه المرة، وتظهر حملات عبور البحر إلى أوروبا، ويسيطر تنظيم الدولة على الأنبار أيضاً، وتفشل الميليشيات الشيعية في أخذ الأراضي التي سيطر عليها، لتبدأ ملامح نهاية العرض الثاني، فتوقف حكومة المنطقة الخضراء الدعم المالي لميليشياتها، ليلتحق جزء منهم بالذين هجرهم إلى تركيا ويعبر البحر معهم إلى أوروبا، ويبدأ الجزء الآخر عمليات الخطف ليمول نفسه، وهذا ما يجري هذه الأيام.
أتريدون معرفة نهاية الفيلم؟ لا تختلف عن نهاية العرض الأول فالفيلم واحد بعرضين، الميليشيات الشيعية تنتظر ضربة وملاحقات، وقد عرف كثير من أفرادها فعاد إلى صوره التي نشرها على الفيس بوك وفيها يحمل أسلحة أو ينفذ أعمالاً إجرامية ومسح تلك الصور، وقسم منهم هرب إلى الخارج قاصداً الهجرة، أما أمريكا فتعد صحواتها وقواتها لحرب في الأنبار، في الغالب ستكون حرباً شكلية يقتل فيها من تنظيم الدولة من لا يصدق أنه يعيش أحداث فيلم، أما التنظيم فسيذهب إلى الصحراء مرة أخرى وربما هذه المرة باتجاه النخيب القريبة من عرعر والملاصقة للمملكة العربية السعودية، ولا يعني هذا أن تنظيم الدولة سينتهي، لكنه سينتقل إلى مكان آخر، فهذه نهاية هذا الجزء من الفيلم لكن الفيلم نفسه مستمر.

بقلم: د. فراس الزوبعي