مربو الحمام الذين يعرفون بـ «المطيرجية» في بغداد، وخصوصاً أولئك الذين تولعوا بتربية الحمام الزاجل، لهم عادات عجيبة منها أنهم يتبارون في استعراض إمكانات طيورهم، فينتقلون بها من بغداد إلى البصرة التي تبعد عن العاصمة 550 كيلو متراً، وعند وصولهم البصرة يطلقون طيورهم، ثم يعودون إلى بغداد منتظرين وصولها من البصرة ويرون بعدها من وصل أولاً؟ وهل وصلت جميعها أم لا؟
يبدو أن هذه الهواية تطورت لتصبح في زمن الخطف والإرهاب تمارس مع البشر، بدلاً من الزواجل، فبعد أن ظهر 18 عاملاً تركياً اختطفوا من بغداد قبل أيام في مقطع فيديو وخلفهم لافتة كتب عليها «لبيك يا حسين» و«فرق الموت»، وحصلت مصادمات في بغداد بين قوات حكومية وميليشيات لم تسفر عن شيء سوى عن مقتل عنصر من القوات الحكومية، وبعد أن تبين أن «حزب الله العراق» هو من وقف خلف هذه الحادثة، ظهر قبل يومين اثنان من العمال في البصرة بعدما أطلق سراحهما، لكن الآن بعد أن عرفنا أن من خطف العمال الأتراك هم «حزب الله» وعرفنا أيضاً أنهم «مطيرجية» فقد أخذوهم من بغداد وأطلقوهم في البصرة كما يفعلون مع طيورهم، بقي أن نعرف مصير العدد الباقي منهم، وهل سيطلقون سراحهم؟ وهل سيكون ذلك من البصرة أم أنهم سيطلقونهم من محافظات أخرى ليروا أيصلون أم لا؟ والسؤال الأهم من ذلك كله كيف وصل هؤلاء إلى البصرة والحكومة تدعي أنها تبحث عن المخطوفين في كل مكان ومراجع الشيعة يطالبون بإطلاق سراحهم، والطريق 550 كيلو متراً، ملغوم بنقاط التفتيش، بأجهزتهم ذات «الأريل» الذي يتحسس حبات البندول، وعلب الطرشي، والعطور، وحشوات الأسنان، لكنه عاجز عن كشف المتفجرات والرجال المخطوفين.
لقد لفت انتباهي قبل يومين مقطع ورد في لقاء تلفزيوني مع الشيخ علي الجبوري أمين عام المجلس السياسي للمقاومة العراقية، حيث ذكر أن «من يهمه أمر هؤلاء المخطوفين فما عليه إلا التوجه لإيران والتفاوض معها بشأنهم، لأن حكومة بغداد لا تملك شيئاً»، لذلك على تركيا أن تذهب لإيران مباشرة ولا تشغل نفسها مع حكومة المنطقة الخضراء، فهل من عاقل والحال هذه يعتبر العراق دولة، حتى ولو دولة فاشلة؟ الواقع يؤكد يوماً بعد يوم أن العراق دولة عصابات وميليشيات، واللغة الوحيدة التي يمكن التفاهم بها مع حكومته وميليشياته هي لغة العصابات، ولمن أراد أن يجازف بالاستثمار في العراق أو يدخل شركته، ما عليه إلا أن «يضبط» أموره مع العصابات، أو مع إيران زعيمتها، وهذا الكلام يمكن تطبيقه على كل القضايا التي تخص الدول وعلاقتها السياسية مع العراق، فإيران صاحبة القرار فيه.
بقلم: د. فراس الزوبعي