بعدما احتلت أمريكا العراق بفترة، أطلقت في سماء قواعدها هناك مناطيد كبيرة تحمل كاميرات وأجهزة مراقبة ومتابعة، مكنتها من تأمين قواعدها والمنطقة الخضراء من هجمات المقاومة العراقية آنذاك، وبعد أن أعلنت انسحابها من العراق أنزلت هذه المناطيد وأوقفت العمل فيها، واليوم بدأت هذه المناطيد بالظهور من جديد، فهل أعيدت لتكون جزءاً من التحضيرات الجارية لتحرير محافظة الأنبار من تنظيم الدولة «داعش» كما يشاع، أم أن لتحركات روسيا وإيران دخل في هذا الموضوع؟
لقد أعادت أمريكا نشر قواتها في معسكر الحبانية في محافظة الأنبار، وهو معسكر يقع في بداية المحافظة من جهة بغداد، وهناك بدأت القوات الأمريكية بتدريب بعض الصحوات، وخلال الأيام القليلة الماضية أطلقت ثلاثة مناطيد موزعة على أطراف المعسكر، وقبل ذلك طردت ميليشيات الحشد الشعبي المدعومة إيرانياً من الرمادي مركز محافظة الأنبار ومن معسكر الحبانية أيضاً، وهناك معلومات تؤكد أن الأمريكان أمروا هذه الميليشيات مؤخراً بضرورة الانسحاب من معسكري المزرعة وطارق القريبين من بغداد، بدعوى أن عملية تحرير الأنبار اقتربت وأن أمريكا لن تسمح لهذه الميليشيات بالمشاركة فيها، ومع كل هذه الأحداث تنقل وكالة «انترفاكس» الروسية خبراً عن عزم روسيا إقامة مركز في بغداد يضم ممثلين عن هيئات الأركان الروسية والإيرانية والسورية والعراقية مهمته جمع المعلومات الخاصة بأحداث الشرق الأوسط وتحليلها واستخدام هذه المعلومات في مكافحة تنظيم «داعش»، وقد أكد ذلك الناطق باسم مكتب رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي ووصفها بأنها لجنة مشتركة.
وبالعودة إلى موضوع المناطيد سيتبين لنا حقيقة ما يدور، فهذه المناطيد عندما كانت تعمل في السابق استطاعت أن تؤمن المعسكرات والقواعد التي رفعت فوقها فقط، لأنها تحتوي على كاميرات مراقبة يمكنها تتبع تحركات الأشخاص والآليات، والأهم من ذلك أنها ترتبط بمنظومة رد مباشر على مصدر النيران التي تطال هذه القواعد فبمجرد أن تسقط قذائف على المعسكر تنطلق آلياً قذائف مضادة، وفي ذروة عملها لم يكن بوسع الجيش الأمريكي أكثر من حماية مقراته أما الشوارع ومناطق القتال فلم تجد هذه المناطيد نفعاً معها، ولم تكن أمريكا مسيطرة على أكثر من المنطقة الخضراء والمطار والقواعد العسكرية، أما علاقة هذه المناطيد بمعركة تحرير الأنبار المزعومة اليوم فقد يكون لحماية معسكر الحبانية من الهجمات لكن أماكن القتال بعيدة عنه، وإذا ما حصل تحرير لهذه المحافظة فسيكون القتال فيها شكلياً وستنسحب «داعش» إلى مكان آخر، لكن حقيقة وجود هذه المناطيد يتعلق بروسيا التي يبدو أنها لا تريد انتظار الأمريكان ليقاتلوها بواسطة طرف ثالث في سوريا، فاختارت مبدأ الهجوم خير وسيلة للدفاع فهي لا تريد العراق وإنما هدفها سوريا، وبالتأكيد لن يكون ذلك بيدها وإنما بطرف ثالث أيضاً وأفضل طرف موجود على الأرض هو ميليشيات الحشد الشعبي، التي ربما تحركها بالاتفاق مع إيران لاستهداف معسكرات أمريكا وقواعدها، فتأتي خطوات أمريكا الخاصة بالمناطيد وطرد الميليشيات كرد فعل طبيعي لإبعاد خطر روسيا عن قواعدها.
بقلم: د. فراس الزوبعي