برنار لا يكذب فترقبوا الوضع الجديد

عندما ظهر تنظيم الدولة «داعش» في الموصل فجأة، وأعلن سيطرته عليها بعدما هرب الجيش الحكومي في 10 يونيو 2014، شكلت أمريكا تحالفاً عالمياً لقتال «داعش» لكن هذا التحالف سبقته محادثات ولقاءات بين وزراء خارجية الدول المتحالفة، كثير من هذه اللقاءات عقدت في باريس مع أن فرنسا في الظاهر ليست لاعباً في المنطقة، لكن تبقى تحركات وزير خارجية أمريكا جون كيري باتجاه فرنسا في وقتها تدل على أن لها دوراً مهماً في ما يجري.
والمراقب للدور الفرنسي في المنطقة يجد أنها لم تتدخل بقوة كما أنها لم تقف متفرجة، فقد زودت الأكراد في العراق بأسلحة حديثة، بعدها وفي سبتمبر الماضي ظهرت مجموعة من الفرنسيين تتراوح أعمارهم بين 25-55 عاماً، كلهم كانوا جنوداً سابقين في الجيش الفرنسي وشاركوا في معارك في السابق، أعلنوا أنهم تطوعوا بمبادرة شخصية لقتال تنظيم «داعش» واختاروا البيشمركة «القوات الرسمية في إقليم كردستان» ليقاتلوا تحت مظلتها، ولكي يبعدوا الشبهة عن الحكومة الفرنسية أطلقوا حملة تبرعات ليمولوا أنفسهم، الحقيقة أن فرنسا لا يمكن أن تتخلى عن المنطقة، لا هي ولا أوروبا من خلفها، ففرنسا هي وبريطانيا رسمتا خارطة العالم العربي بوضعه الحالي بعدما هيأت بريطانيا الظروف وتخلصت من الدولة العثمانية، وبعد أن قسموا المنطقة كما خططوا جاءت أمريكا ذلك الثور الهائج الذي اكتسح بجيشه واقتصاده كل قوة وقفت أمامه وتصرف في المنطقة بما تملي عليه غرائزه العدوانية، فعندما غزت أمريكا العراق واحتلته لم تتحمل مسؤولياتها تجاهه كما فعلت بريطانيا عندما احتلته بداية القرن الماضي.
بعد ذلك حصلت أحداث سوريا وتدخلت إيران وروسيا ودخلت أمريكا على خط الصراع وخلال كل ذلك فرنسا تتفرج منتظرة إضعاف جميع الأطراف لتقود المشروع الأوروبي في المنطقة، ذلك المشروع الذي لم يظهر للسطح لغاية الآن، ولذلك تحاول أمريكا جر تركيا إلى حلبة الصراع لتخفف الضغط عنها. هناك أكثر من مشروع سياسي وعسكري على أرض العراق وسوريا يقف خلف كل مشروع طرف، وعلى أساس هذه المشاريع ستوضع الخريطة الجديدة للمنطقة، ولذلك ليس غريباً أن يعلن مدير الاستخبارات الفرنسية برنار باجوليه الأسبوع الماضي من أمريكا أن «الشرق الذي نعرفه انتهى إلى غير رجعة»، مؤكداً أن «دولاً مثل العراق وسوريا لن تستعيد حدودها السابقة».
وذكر أن «المنطقة حالياً مقسمة بشكل فعلي بين الأكراد و«داعش» والنظام الحكومي في كلا الدولتين»، إن التغيير الذي أصاب الشرق الأوسط بداية القرن الماضي لم يكن بسبب «سايكس بيكو»، لأنها كانت ثمرة لمخطط كبير جرى في القرن التاسع عشر، وكذلك لا يمكن اعتبار أحداث ما يعرف بـ«الربيع العربي»، سبباً في التغيير المرتقب، فهي الأخرى ثمرة تخطيط طويل لاستعادة الدور الأوروبي في المنطقة، وكل ما علينا فعله هو الاستعداد للتعامل مع الوضع القادم فبرنار لا يكذب ويعني ما يقول.

بقلم: د. فراس الزوبعي