كل المهاجرين السوريين والعراقيين الذين عبروا البحر إلى أوروبا يشتكون من تعامل سلطات المجر «هنغاريا» معهم، وأكثرهم لا يريد البقاء فيها بصفة لاجئ ويفضل استخدام أراضيها معبراً إلى النمسا والبقاء فيها أو عبورها إلى ألمانيا، ولذلك يرفض المهاجرون أن يسجلوا أنفسهم في هذا البلد أو يعطوا بصماتهم لسلطاته، لا يعني ذلك أنهم أمام خيارات كثيرة ويريدون استبعاد المجر منها، لكن سياسة هذه الدولة في التعامل مع المهاجرين تختلف عن سياسة الدول الأخرى؛ فهي تعارض وبشدة قبول اللاجئين من العراق وسوريا في أوروبا، وتضع العراقيل أمام دخولهم، وقد أقامت سياجاً بينها وبين صربيا التي يمر بها المهاجرون قادمين من اليونان، وشيدت آخر مع كرواتيا، وأخيراً فوضت جيشها للتصدي للمهاجرين باعتبارهم يخرقون القانون بهجرتهم غير الشرعية، في المقابل أوروبا تنتقد سياسة المجر هذه في التعامل مع اللاجئين وتعتبرها وصمة عار ستلاحق القيم الأوروبية، فلماذا هذا الموقف من المجر، وما الذي يخيفهم في المهاجرين؟
في أحدث لقاء أجرته شبكة BBC مع «بيتر سيارتو» وزير خارجية المجر، الذي ينتمي لحزب ديمقراطي مسيحي، حاولت محاورة الوزير أن تخرج كل ما عند الوزير بخصوص موضوع اللاجئين وانتقادات أوروبا لدولته، لقد بدا الرجل متوتراً كثيراً وتكلم بحدة وحاول مراراً أن تكون إجاباته محسوبة، فبرر شدتهم في التعامل مع اللاجئين بسبب اللاجئين أنفسهم، فوصفهم بغير المنضبطين ولا يحترمون النظام ويتصرفون بعدوانية، كما أن أغلبهم من المسلمين، وعندما تبين أن المشكلة في دينهم بدأ يعطي المقدمات بأنه وبلاده يحترمون العقيدة الإسلامية ولا توجد لديهم مشاكل مع المسلمين، خصوصاً وأن المجر فيها مجريون مسلمون، لكن دول أوروبا عندما تتهمهم بالموقف السلبي فهم منافقون.
لكن توتر الوزير فضحه وفضح ما يخشاه هو وحكومته، ومن بين كلامه يمكن تحديد أمرين رئيسيين يتحلى بهما المسلمون يشكلان هاجساً مخيفاً للمجر، وقد ذكرهما في ثنايا كلامه، الأمر الأول هو تمسك هؤلاء المهاجرين بقيمهم الإسلامية في مقابل تخلي الغرب عن قيمه المسيحية، وقالها صراحة نحن حزب مسيحي لكننا نجد أن الأوروبيين لا يتمسكون بقيم دينهم، وهذا مخيف بالنسبة لهم، والأمر الثاني هو قدرة المهاجرين العرب على الإنجاب بينما تعاني أوروبا من مشكلة في هذا الجانب، وقال نحن نغبط المسلمين على هذا الأمر، ثم قال نحترم عقيدة المسلمين لكن من حقنا ألا نقبل التعايش معهم، وعدم قبول التعايش يأتي في سياق تعصبه الديني فهو على قناعة من أنهم إذا سمحوا للمسلمين بالبقاء في أوروبا فسيمكنهم هذا من الوصول إلى مناصب قيادية في يوم ما، خصوصاً وأنه قال «نحن نعلم أن دين الإسلام قدم للبشرية الكثير»، ولاشك أنه يقصد تلك العصور التي كانت مظلمة في أوروبا بينما كانت ذهبية في بلاد المسلمين.
مؤلم أن نعرف عوامل القوة فينا التي يحسب لها المقابل ألف حساب في الوقت الذي يأتي أناس من جلدتنا ويدعوننا للتخلص منها ويعيبونها علينا، فيجتهدون في التخلص من القيم الإسلامية ليرضى علينا الغرب.
بقلم: د. فراس الزوبعي