مات أحمد الجلبي يوم الثلاثاء الماضي غير مأسوف عليه بعد كل الجرائم التي ارتكبها بحق العراق وشعبه، ولسنا هنا بحاجة لتذكير كل من سمع باسم الجلبي بما فعله، لكن ما يهمنا أن بعده وفاته بساعات انتشر خبران؛ الأول يقول إن جهاز المخابرات العراقي السابق تمكن بعملية نوعية من وضع السم في طعام الجلبي، وهذا الخبر بين كذبه وبين سطحية من نظم حروفه ونشره، أما الخبر الثاني فكان أكثر حبكة وانتشر انتشاراً كبيراً بقدر اللعنات التي صاحبت نقل خبر وفاة الجلبي، وهذا الأخير واضح أن من صاغه محترف.
يفيد الخبر أن الجلبي لم يمت بسكتة طبيعية وإنما قتل مسموماً، على خلفية مشاكل بينه وبين جهاز المخابرات الإيراني «اطلاعات» بسبب صفقات ورشاوى وسرقات مبالغ ضخمة من موارد النفط العراقي حولت لحساب إيران بعد أن اقتطعت منها مبالغ صغيرة لصالح آخرين وحجبت حصة الجلبي التي كان قد وعد بها والبالغة 100 مليون دولار مقابل سكوته كونه رئيس اللجنة المالية في البرلمان العراقي، وبعدما نكثوا وعدهم ظهر الجلبي في قناته الفضائية وقنوات أخرى وهدد بكشف الملفات، وعلى إثرها التقى به ولأكثر من مرة مسؤول في «اطلاعات» وطالبه بالسكوت لكن الجلبي لم يخضع للتهديد، وفي مساء يوم الاثنين الماضي استدعاه مسؤول إيراني في مقر «اطلاعات» ثم عاد الجلبي من المقابلة وعلامات الانهيار الصحي بادية عليه، وقال للمقربين منه إن الإيرانيين وضعوا لي السم في القهوة التي شربتها في مقرهم، وبعدها دخل غرفته، فاستدعى حراسه طبيبه الخاص لكنه فارق الحياة قبل وصول الطبيب.
خبر وفاة الجلبي لم يكن كغيره من أخبار وفيات السياسيين، فالخبر لم تبق وسيلة من وسائل التواصل والاتصال إلا ونقلته مصحوباً باللعنات، فجاء بعد ساعات خبر تسميمه لينتشر بقوة كبيرة، ولو نظرنا للخبر بتجرد لوجدنا أنه جاء ليلمع الجلبي بعد وفاته ويظهره رجلاً قوياً لا يخشى إيران ليس أكثر، فتحول تناقل خبر الوفاة واللعنات إلى طريقة قتله، بل وصفته قناة فضائية بعد الخبر بالشهيد، وفي الوقت نفسه حقق الخبر رهبة إضافية في نفوس الناس من إيران لأنها تستطيع الوصول لأكبر السياسيين حصانة، وإذا قيل أن الخبر يشوه صورة الجلبي لأنه ذكر أنه كان ينتظر حصته في السرقات فكيف يلمعه، فالجواب لا بد من وضع شيء في الخبر يبعد عن الأذهان فبركته ويظهره خبراً محايداً، والنتيجة أن الناس لم يتناقلوا الخبر على أن الجلبي لص وإنما تناقلوه مركزين على قضية أنه قتل ولم يمت، ولذا فإن هذا الخبر ليس إلا خدعة يجب ألا تنطلي على أحد.
ربما يكون الجلبي مات بشكل طبيعي فهذا وارد وفي الوقت نفسه وارد أن يكون مات مقتولاً لكن ليس بيد إيران وإنما بيد من وظفه للعمل في العراق، فالجلبي كان رجل عصابات نسق وأشرف على جرائم تصفية الطيارين والعلماء العراقيين بإشراف مباشر من الموساد الإسرائيلي والمحافظين الجدد ويعرف أسراراً كبيرة عن عمل هذه العصابات ولا بد من التخلص منه بعد إنجازه المهام التي أوكلت إليه.
بقلم: د. فراس الزوبعي