مضحك أن يكون تعليق الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند على هجمات باريس بقوله «إنها بمثابة إعلان داعش الحرب على فرنسا» لأنه أعلن الحرب وخاضها فعلياً على داعش قبل أكثر من سنة، المهم هو لماذا جاءت الضربة من «داعش» بهذه القوة وبهذا التوقيت؟ وكيف لها الوصول إلى هذا العمق بكل سهولة؟ ومن هو التالي في قائمة أهدافها؟
من الأمور التي ذكرها تنظيم الدولة «داعش» عندما أعلن مسؤوليته عن الهجمات أنه يقاتل الصليبيين الذين يهاجمون المسلمين في سوريا ويقتلون الأطفال والشيوخ، وأن فرنسا أعلنت حربها على الإسلام فكان لابد من حربها وقتالها في عقر دارها، لكن حقيقة الأمر لا علاقة له بالصليبيين وحرب المسلمين، فهي أمور يذكرها التنظيم ليكسب بها تعاطف المسلمين في كل مكان، تماماً كما هو الحال بالنسبة للإجراءات التي ستتخذها أوروبا حيال المسلمين كردة فعل على هذه الهجمات لأنهم «مصدر الإرهاب» فهم يعلمون جيداً ألا علاقة للمسلمين بهذه الهجمات، والسبب الحقيقي الذي يقف وراء هذه الهجمات هو «قطع رزق داعش» التي تعتمد في تمويلها على تصدير النفط من العراق وسوريا، فقبل الهجمات بثلاثة أيام فقط أعلنت فرنسا أنها نفذت ضربات جوية دمرت البنية النفطية التحتية لتنظيم الدولة في سوريا، وقبل الهجمات بيومين هجمت قوات البيشمركة الكردية على منطقة سنجار في العراق التي يسيطر عليها التنظيم وتمكنت من طرده منها، وقطعت طريق الإمداد الذي يربط بين العراق وسوريا ويصدر التنظيم النفط العراقي من خلاله، وكان ذلك بغطاء جوي بريطاني، وفجأة تلقى «داعش» ضربة في مصادر تمويله الرئيسة، وهو أمر حساس جداً بالنسبة له لأن إدارة المدن التي سيطر عليها منذ أكثر من سنة تمت بواسطة هذه الأموال.
أما كيف وصل داعش إلى هذا العمق في فرنسا فذلك يعود لكون أكبر عدد من الأجانب المنتمين لداعش هم فرنسيون، فهناك أكثر من 1200 مقاتل فرنسي في صفوفه، ولا علاقة للمهاجرين الجدد والنازحين بهذه العملية، ولن تؤثر الإجراءات التي تريد فعلها فرنسا ومنها إيقاف العمل بالشنغن، فالمهاجمون المحتملون لا يحتاجون إليها كونهم يحملون الجنسية الفرنسية، وقد يكون هناك عدد من أتباع التنظيم داخل فرنسا بقدر العدد الذي التحق بالتنظيم في سوريا والعراق.
لقد هدد التنظيم بأن هذه الهجمات هي «أول الغيث» وهناك ضربات أخرى في أماكن أخرى، وهناك احتمال كبير أن يكون التالي هو بريطانيا، لأسباب منها أن بريطانيا كانت سبباً أيضاً في قطع التمويل عندما قطعت طائراتها طريق تصدير النفط العراقي قبل أيام، وكذلك سهولة الوصول إلى عمقها فثالث جنسية من حيث العدد في داعش هي الجنسية البريطانية، وهذا ما يفسر لنا أن أول ردة فعل دولية على تفجيرات باريس جاءت من رئيس الوزراء البريطاني «كاميرون» وبعدها طار هولاند ليجتمع به في بريطانيا، لقد جاءت هجمات باريس دموية برائحة النفط الذي كان سببها وسوداء بلونه.
بقلم: د. فراس الزوبعي