لم يبق إلا صندوق النقد الدولي لم يجرب حظه في تدمير العراق، وهذه المرة حصل على فرصته بطلب من المخربين التقليديين حكام العراق الجدد.
منذ احتلال العراق سنة 2003 وهو يدخل في مصيبة ولا يخرج منها بل يدخل في أخرى حتى أصبح في غياهب المصائب المركبة، آخر هذه المصائب كانت قبل أيام قليلة عندما وافق صندوق النقد الدولي على تقديم قرض للعراق قيمته 1.24 مليار دولار، شرط أن يخضع العراق لبرنامج رقابة ينفذه الصندوق على سياسته الاقتصادية، وقد وافقت حكومة المنطقة الخضراء على هذا الشرط فرحين بقرض لا يشكل 1% من ميزانيته السنوية، وتعد هذه الخطوة مصيبة جديدة مع المصائب التي تعرض لها العراق لأن الصندوق لن يكون مراقباً على اللصوص الذين يحكمون ويمنع سرقاتهم، لكنه سيضع خطة بتفاصيلها لا تتدخل فيها الحكومة تقضي هذه الخطة بمجموعة إجراءات كارثية على العراقيين وخصوصاً الفقراء منهم وهم النسبة الأكبر، تتلخص هذه الإجراءات في إلغاء البطاقة التموينية التي بموجبها توزع حصة مواد غذائية أساسية مدعومة بمبالغ زهيدة، وهذه البطاقة أقرت مع إعلان الحصار الاقتصادي على العراق سنة 1990 وكانت سبباً في تحمله الحصار 13 سنة، أما الإجراء الثاني فهو عبارة عن رفع الدعم عن المنتجات النفطية والطاقة، وأما الثالث فسيشمل تسريح العمال والموظفين من الدوائر والمؤسسات ذات التمويل الذاتي، والإجراء الرابع سيتضمن تقليص الجهاز الحكومي، وقد أعلن العبادي بالفعل نيته تقليص ثمانية وزارات، هذا بالإضافة إلى إجراءات كثيرة بإمكان الصندوق فعلها مع العراق بموجب برنامج الرقابة لكن ما ذكر أعلاه ليس تكهناً وإنما هذا ما صرح به رئيس اللجنة المالية في مجلس النواب أحمد الجلبي في آخر مقابلة له قبل موته.
يحصل كل ذلك في ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة للغاية، فالطبقة القادرة على العيش في العراق اليوم هي طبقة الموظفين والباقي يعيشون في فقر شديد بسبب البطالة وعدم وجود مشاريع تنموية حقيقية في البلد، وحتى طبقة الموظفين وضعها لا يحتمل أي خلخلة في ميزانيتها فقضية إلغاء البطاقة التموينية ورفع أسعار المحروقات والطاقة فضلاً عن احتمالية إلغاء وظائف من يعملون في الدوائر ذات التمويل الذاتي أمر مدمر بالنسبة للمجتمع، كل ذلك والعراق لا يحكمه نظام وطني مخلص، إنما هو دولة ميليشيات يقودها لصوص وزعماء عصابات، وهؤلاء ليس همهم إنقاذ العراق من أزمته الاقتصادية، لكنهم بعد أن سرقوا كل خيراته بدؤوا يبحثون عن سرقة ما لا يملك ومنها هذا القرض.
في الواقع هذا القرض بهذا الشرط بالإضافة لكونه سيشكل دماراً اقتصادياً على أكبر فئة في الشعب العراقي، فهو في الوقت نفسه صفحة أخرى من صفحات الاحتلال ومصيبة جديدة تضاف لمصائبه.
بقلم: د. فراس الزوبعي