لم يكن اختراق المقاتلة الروسية للأجواء التركية عرضاً، فروسيا أرسلت مقاتلتها لتسقطها تركيا وتحدث المشكلة، ومع ذلك تركيا ليست هدفاً لروسيا، وهناك هدف آخر تقدمت روسيا نحوه خطوة مهمة.
اتخذت تركيا كل الإجراءات القانونية والدبلوماسية في التعامل مع روسيا بخصوص اختراق طائراتها للأجواء التركية أكثر من مرة، بدءاً باحتجاجها وطلبها عدم تكرار الاختراق وصولاً إلى تحذير الطيار الروسي في المرة الأخيرة مرات عدة قبل إطلاق الصاروخ من طائرة سلاح الجو التركي وإسقاط الطائرة الروسية، ويبدو أن روسيا أرسلت الطائرة هذه المرة لا لشيء إلا لتسقطها تركيا، بالنسبة لتركيا ليس أمامها إلا هذا الفعل وهو إجراء صحيح بكل المقاييس حفاظاً على سيادتها، أما روسيا فاختارت طائرة «سوخوي 24»، وهي طائرة من طراز قديم، صحيح أنها مازالت في الخدمة وأنها تصلح لمهمات قتالية معينة، لكن لروسيا طائرات أفضل وأحدث منها في سوريا لم ترسلها.
أسقطت الطائرة يوم الثلاثاء، وفي يوم الأربعاء، اتخذ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قراراً بنشر منظومة الصواريخ «إس 400» وفي يوم الخميس، تم نصب المنظومة، سرعة في الأداء تؤكد أن هذا السيناريو معد له مسبقاً، وأن هناك إجراءات كثيرة اتخذت قبل نشر هذه المنظومة، أي أنها لم تنشر بشكل مفاجئ كرد فعل على الحادث، وإنما الحادث نفسه حصل ليكون سبباً في نشر هذه المنظومة القادرة على التعامل مع أي هدف جوي مهما كان ارتفاعه أو سرعته أو هويته، فهي تكتشف الهدف على بعد 600 كيلومتر وتتمكن من إصابته على بعد 400 كيلومتر، وهي أحدث منظومة صواريخ تسلمها الجيش الروسي سنة 2007، وتغطي هذه المنظومة سوريا بالكامل وأجزاء من كل من تركيا والأردن وغرب العراق وإسرائيل.
هذه المنظومة ليس هدفها سلاح الجو التركي بقدر ما وجدت لتكون مصدر تهديد لطائرات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة التي أعربت من جانبها عن قلقها البالغ من نظام سلاح حديث يمثل تهديداً كبيراً على الجميع، خصوصاً وأن هيئة الأركان الروسية أعلنت عزم روسيا إسقاط أي طائرة حربية في المجال الجوي السوري ترى القوات الروسية تهديداً فيها، وهنا لم تحدد روسيا الطائرات التركية وإنما جعلت الأمر مفتوحاً أمام أي طائرة تعتقد أنها تشكل تهديداً عليها، وهذا الأمر سيشكل خطراً على طائرات التحالف ويصعب عملياتها في سوريا، ليس هذا فحسب فقد استدعت روسيا سفينة حربية تحمل منظومة أخرى قاذفة للصواريخ تتكامل مع المنظومة الحالية ستصل نهاية العالم الحالي مهمتها مهاجمة حاملات الطائرات.
لقد دخلت روسيا إلى المنطقة بثقل كبير ومباشر، والتطور الأخير بنشر هذه المنظومة يعد المفاجأة الثانية للروس بعد مفاجأة نزولهم في سوريا وبها تقدموا خطوة أخرى، وربما ستتسبب المفاجأة الثالثة في إشعال حرب عالمية ثالثة إن لم يحسن العالم التصرف مع بوتين.
بقلم: د. فراس الزوبعي