صورة ظهر فيها رجل ببدلة سوداء رسمية، يقف قرب السكة الحديد في محطة قطارات يمسك جواله ويقلب فيه دون الانتباه إلى من يجاوره، في محيطه امرأة وطفلها يلعب بالقرب منها، وآخر يمشي شغلته لقمة في فمه وعلبة كوكا بيده، وثالث ينظر بالاتجاه المعاكس، ورابع شغله شيء بيده، كتب على الصورة الرجل الذي يرتدي البدلة هو ديدير برخالتر كان رئيس سويسرا عندما التقطت له الصورة عام 2014 كان ينتظر القطار في محطة نيوشاتل السويسرية، لا حراسات لا مرافقين.
ليست هذه حالة غريبة في أوروبا، فقد شاهدنا قبله رئيس وزراء هولندا وهو يغادر مقر الحكم بعد نهاية الدوام الرسمي، متوجهاً إلى مسكنه قائداً دراجته الهوائية، وليس معه أحد إلا الصحفيين، الذين يجتهدون في الحصول على تصريح منه، وأخيراً رأينا رئيس الوزراء الكندي ذلك الشاب الذي دخل محطة مترو الأنفاق فاجتهد بعض المارة في التقاط صور «سيلفي» معه، هؤلاء أمنوا على أنفسهم عندما استطاعوا أن يحققوا لشعوبهم ما تبتغي من العيش الكريم والرفاهية، وبها أوجدوا لأنفسهم صفوفاً من الذين يحترمونهم بدل الذين يحرسونهم، يتحقق بعض من هذا في منطقتنا العربية بنسب متفاوتة بين الحكام ورؤساء الحكومات تبعاً لما حققوه لشعوبهم من العيش الكريم والرفاهية، وعدد الحراس أصبح مرتبطاً بعلاقة الحاكم بشعبه ورفاهيته، فنجد أسوأ الأمثلة في العراق الذي أصبح فيه حراس رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية والبرلمان لا يعرفون بأعدادهم الفردية بل بعدد أفواجهم، يقف على النقيض منهم وهو المثال الأفضل في العالم العربي حكام دول الخليج العربي الذين يعدون الأقل حراساً في العالم العربي.
إنه العدل أيها السادة.. العدل أساس الملك، والله تعالى خلق الكون وجعل له سنناً وقوانين تنطبق على كل البشر، لا علاقة لها بدين معين، ربما يتفاخر دعاة الديمقراطية بمثل هذه الصور، لكننا وإلى عهد قريب كنا نعيش هذه الصور واقعاً في حياتنا، ولا زال التاريخ يخبرنا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو على ظهر دابته متوجهاً إلى القدس ليتسلم مفاتيحها دون حراس، واستمر الحال كذلك إلى عهد قريب، شهده بعض من بقي على قيد الحياة، في المقابل كانت أوروبا تعيش حروباً طاحنة، حتى أدركت حقيقة وضعها ووضع المسلمين فعملت على نقل أحوالها إلينا ونقل أحوالنا إليها في هذا الجانب، فاجتهدوا في تحقيق العدالة وفق قوانينهم وعملوا على تحقيق الرفاهية لشعوبهم، وحصنوا ملكياتهم لتكون صمام أمان لدولهم، في حين أشاعوا ثقافة الانقلابات والاغتيالات والخيانات والمؤامرات في منطقتنا.
هذا الوضع في أوروبا لا يعني بحال من الأحوال أن الأوروبيين ملائكة تمشي على الأرض ونحن شياطين، وعلينا أن لا ننسى إن حقق هؤلاء العدل في بلادهم فقد نشروا الظلم في بلادنا وعملوا ولا زالوا يعملون على إبقائها مضطربة غيرة مستقرة، وهم أنفسهم لن يسمحوا لها لتعيش برخاء في يوم من الأيام، لنرى أحد الرؤساء العرب يركب عربة المترو عائداً من مقر عمله إلى بيته.
بقلم: د. فراس الزوبعي