عندما يتنقل زعماء العالم بحركة مكوكية بين الدول ليعقدوا الاتفاقات والتحالفات العلنية والسرية، ويواصلوا الليل بالنهار متأهبين ومتهيئين لما قرروا فعله في العراق، يكون رئيس وزراء العراق نفسه وفي التوقيت ذاته يتجول في كربلاء مرتدياً «دشداشته» السوداء وطاقيته ووشاحه الإيرانيين الأسودين يلتقط صوره السمجة وهو يتناول الحلوى الشعبية «اللقيمات» على «روح الحسين» بابتسامة خرقاء، فاعلم أنه يعيش في دولة خارج حالة الدولة.
عندما تؤسس أمريكا وإيران وخدمهما جيشاً في هذه الدولة على أنقاض أقوى الجيوش العربية بعد أن حلته، فتكون مهمة الجيش الجديد تدليك الأرجل العفنة للزوار والغوغاء والحرس الثوري الإيرانيين الذين اخترقوا الحدود بدون جوازات سفر وأشبعوا هذا الجيش الكرتوني اللكمات والركلات، ومزقوا العلم العراقي ورفعوا مكانه العلم الإيراني ثم يحصلون منه على هذه الخدمات، فاعلم أنك لست أمام جيش وإنما أمام «أمينة وسي السيد» في ثلاثية نجيب محفوظ، في دولة خارج حالة الدولة، عندما تعمل الحكومة وميليشياتها على حجز النازحين والمهجرين العرب السنة في أماكن الخطر ولا تسمح لهم بدخول بغداد إلا بكفيل، في حين تفتح الحدود بدون جوازات سفر أمام الفرس، فاعلم أنك تتحدث عن دولة خارج حالة الدولة، عندما تصبح الدولة ساحة تدور فيها الجيوش النظامية وغير النظامية لدول الجوار وغير الجوار وجنسيات عربية وأجنبية وكأنها ساحة مواقف «الباصات»، فاعلم أنها دولة خارج حالة الدولة، عندما يكون لجميع الغرباء والجيران الحق في تقرير مصير ورسم صورة وخارطة جديدة لهذا البلد إلا أهل البلد ليس لهم الحق في ذلك، فاعلم أنها دولة خارج حالة الدولة.
هذا الحال ليس جديداً على العراق الذي توقفت به قاطرة التاريخ عند يوم 9 أبريل 2003 في محطة الاحتلال الأمريكي المشؤوم، لتنطلق القاطرة مرة أخرى من المحطة في اليوم نفسه بدولة خارج حالة الدولة، حاملة معها شعب العراق الذي ألقت نصفه منها إرضاءً لأحقاد طائفية، قادها طبقة من المجتمع لم يكن يعرفها أحد، والغريب أن هذه الطبقة هي الطبقة الحاكمة والمتنفذة اليوم، وهي التي تتحدث عن سيادة لبلد هذا حاله في وقت تسرح فيه قوات الحرس الثوري الإيراني وتمرح في بغداد وباقي المحافظات، وتحتل مساحات من أرض العراق، وتشكل تهديداً حقيقياً على دول الجوار العراقي التي تستهدفها إيران، وسيبقى هذا التهديد قائماً وسيبقى العراق دولة خارج حالة الدولة، لطالما بقي نصف سكانه يعانون التهجير والنزوح والتهميش والإقصاء وسلب الحقوق، لذا فأي محاولة من الدول المعنية أو الدول التي تحاول درء الخطر عنها من خلال العرب السنة في العراق، سواء بدفعهم لقتال أو الحصول على تأييدهم لجهة سياسية، ستبوء هذه المحاولة بالفشل ما لم تبدأ بالعمل على مساعدتهم لاستعادة وضعهم الطبيعي في البلد بعيداً عن السياسيين الذين شاركوا بوصولهم إلى هذا الحال وإن ادعوا أنهم منهم ويمثلونهم.
بقلم: د. فراس الزوبعي