هكذا دخلت إيران أفريقيا.. قصة المسافر البحريني

روى لي أحد البحرينيين، أنه عندما كان في واجب في كينيا قبل سنوات ذهب لأداء صلاة الجمعة بصحبة مرافقه، وبعد خروجه من المسجد وجد طابوراً طويلاً لأطفال بعمر الخامسة تقريباً، وقفوا أمام رجل يعطي كل طفل شريحة خبز وقدحاً من الحليب، فعلمت أنهم أيتام ينعمون بهذه القطعة يوماً واحداً في الأسبوع، المهم أن مرافقي عرفني على الشخص الذي وقف أمامه الأطفال وعندما علم أني من البحرين أصر على دعوتي إلى الغداء، فخضع صاحبي ولم يرفض فعلمت أن الرجل مهاب ولا يرد له طلب، وتبعناه بالسيارة حتى خرجنا من نيروبي ودخلنا غابة، ثم خرجنا منها ودخلنا معسكراً، فقلت لمرافقي مازحاً «الله يستر»، فقال لي لا تخف فالرجل الذي دعاك هو مسؤول كبير في نيروبي، وبعد دخولنا مجلسه رأيت رجالاً كثر، أحدهم يرتدي عمامة، فقلت في نفسي أجلس عنده فقد يكون هو الوحيد الذي أستطيع التحدث إليه وقد يكون بيني وبينه شيء مشترك، وحدث ذلك ورحب بي، بعد حديثي معه علمت أنه بروفيسور في جامعة نيروبي تخصصه «الفقه وأصول الدين»، وبعد الغداء ودعناهم وطلبت من الرجل صاحب العمامة أن يطلب شيئاً من البحرين، فرفض وبعد إلحاحي عليه قال أريد كتباً دينية، قلت له في أي تخصص؟ قال في الفقه الشيعي، فقلت له سبحان الله عندكم اهتمام في دراسة الفقه الشيعي؟ فقال لي لا، ولكن لله الحمد قد تشيعت، فقلت له كيف وكينيا ليست على خارطة التشيع الجغرافية، فقال لي بعد العام 1979 رأينا سلوكيات السفير الإيراني لا تشبه سلوكيات باقي السفراء المسلمين، فهو يذهب معنا إلى المناطق النائية ويجلس أسبوعاً متواصلاً في الغابات يوزع مكائن الخياطة للنساء والتي تعد ثروة في وقتها بالنسبة للكينيين، يجلس تحت الأشجار في الحر ويأكل مما نأكل، أما باقي سفراء الدول الإسلامية فلا نجدهم إلا في مكاتبهم الفاخرة أو الفنادق العامرة، فقلت أكيد أن الحق مع هؤلاء الإيرانيين.
إنها القدوة أيها السادة، ورقة استخدمتها إيران ولعبت عليها في أفريقيا ونجحت، نحن نعلم أن سفراء إيران ليسوا زهاداً، لكن منهج إيران في التوسع والتدين والسياسة وكثير من الأمور قائم على التمثيل، وسفراؤها وبعثاتها الدبلوماسية تجيده بامتياز، لذلك ركزت عليه في أفريقيا ولامست احتياجات الناس هناك وتقربت منهم، في مقابل ذلك نجد البعثات الدبلوماسية للدول الإسلامية منضبطة بأصول العمل الدبلوماسي ولا تعمل عمل الجمعيات الإغاثية.
وهناك طريقة أخرى دخلت بها إيران أفريقيا وكانت عن طريق سفاراتها أيضاً عندما طبعت كتب التشيع مترجمة إلى الإنجليزية ووزعتها هناك، وحرصت على أن تبقي من غسلت عقولهم، تحولهم الفكري سراً ـ حسب نظرية التقية ـ حتى اختارت الوقت المناسب لتكشف عنهم، كما حصل مع إبراهيم الزكزاكي في نيجيريا الذي أبقت تحوله سراً 15 سنة وكشفت عنه من خلال الصحف الإيرانية التي أجرت مقابلات معه، ساعدهم في كل ذلك عدم تعصب المسلمين في أفريقيا وسهولة انقيادهم، هكذا وبهذه الطريقة تمكنت إيران من التوغل داخل أفريقيا.

بقلم: د. فراس الزوبعي