هذا يشخص المشكلة السياسية في بلد ما بتسرب الدوافع الدينية إلى العمل السياسي، وآخر ينادي بإقصاء الدين عن الدولة وإدارة الحكم، وثالث يدعو لحظر الأحزاب الدينية ومنع الجماعات الدينية من العمل السياسي، كجزء من مجموعة الحلول لإصلاح الدولة، وحقيقة المشكلة مع الأحزاب والجماعات الإسلامية لا تتعلق بالدولة نفسها إنما بأمر أكبر.
الدين حاجة فطرية للبشر لا يمكنهم الاستغناء عنه، بالضبط مثل حاجتهم للماء والطعام، ولذلك وجدت الديانات الوضعية فمن لا دين له يخترع له ديناً، ومن هذا المنطلق نجد للديانات تأثيراً كبيراً على موضوع العلاقات الدولية والسياسية بشكل عام، خصوصاً الديانات السماوية الثلاث «الإسلام، المسيحية، اليهودية»، وتكون مظاهر هذا التأثير على شريحة كبيرة من الباحثين والمفكرين والكتاب في الشأن السياسي، تتجلى في مقولاتهم ومؤلفاتهم الفكرية والسياسية والتحليلية، وأغلب ما يكتب تجد جذوره في المعتقدات الدينية التي يؤمن بها الكاتب فهي بين نصوص وقيم إسلامية ونبوءات توراتية، وأكثر من ذلك فإن هذه النصوص كانت وراء أعمق التحولات الاستراتيجية والسياسية العالمية، كالفتح الإسلامي والحروب الصليبية قديماً، وحتى الحروب الأوروبية في القرون الوسطى، وحديثاً احتلال فلسطين والغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق وغير ذلك من الأحداث.
وقد برزت الدوافع الدينية في العمل السياسي بروزاً كبيراً في النصف الثاني من القرن العشرين، وأبرز مؤشراتها قيام عدد من الدول والكيانات على أساس ديني، كما هو الحال في قيام باكستان وجمهورية الملالي في إيران والكيان الصهيوني على أنقاض فلسطين، دون أن يعترض العالم على بروز الدوافع الدينية في العمل السياسي لدرجة تشكيل دول على أساسه، وحتى أوروبا نجد الأحزاب الدينية المسيحية وصلت إلى سدة الحكم فيها كما هو الحال في ألمانيا والمجر وغيرها، وعليه فتسرب الدوافع الدينية إلى العمل السياسي ليس المشكلة الحقيقية، لكن مع ذلك تعترض دول العالم بما فيها الدول الإسلامية وبشدة وتشن حرباً مفتوحة على محاولة الجماعات والأحزاب الإسلامية وحتى بعض الجماعات الدينية غير الإسلامية التي عرفت بجماعات المد الأصولي التي تحاول العمل السياسي والوصول إلى السلطة، والسبب في ذلك أن هذه الجماعات والأحزاب والتيارات الدينية عابرة للقومية والوطنية حتى لو لم تعلن ذلك، وحتى لو لم تؤمن بذلك أو تجعله ضمن أهدافها حقيقة، فدول العالم لا تكون آراؤها بناء على ما تعلنه هذه الجماعات بل بناء على النصوص الدينية التي تؤمن بها هذه الجماعات والتيارات، وهذا ما تعتبره دول العالم تهديداً حقيقياً لها خصوصاً وأن هذه الجماعات والتيارات تستحوذ على التأثير الأكبر على الشارع الإسلامي بشكل خاص، فالغرب يخشى من احتمالية عودة الفتوحات الإسلامية ولو بعد قرون والدول الإسلامية تخشى خسارة الحكم لصالح هذه الجماعات، وهذه قناعة راسخة لدى كل الأطراف التي تقف بالضد من الجماعات الدينية، وعليه حتى لو أتت هذه الجماعات «بمعجزة» مع أن زمن المعجزات انتهى مع الأنبياء، لتثبت للعالم أنها ليست عابرة للوطنية والقومية فلن يصدقها العالم.
بقلم: د. فراس الزوبعي