شاهدت أكثر من فيلم وثائقي يتحدث عن الذكاء الخارق لأشخاص تمكنوا من الهرب من أكثر السجون تشديداً في الحراسة في الولايات المتحدة، وقد وجدت أفكاراً مبتكرة وذكاء شديداً، فعلى سبيل المثال تمكن أحدهم من الهرب من سجن مشدد الحراسة لدرجة أنه كل 30 دقيقة يمر حارس يفتش الزنزانات الانفرادية، ولا يسمح لهم بالانتقال خارج الزنزانات لأي سبب، وكان داخل كل زنزانة كاميرا مراقبة يراقب شرطي من خلالها تحركات السجين داخل زنزانته 24 ساعة ويتحدث إليه لمزيد من الاطمئنان إذا رآه ساكناً لا يتحرك، ومع ذلك هرب السجين من هذه الزنزانة إلى خارج السجن مستخدماً معجون تنظيف الأسنان والصابون وجزءاً من نصل منشار لا يتجاوز طوله 10 سم هربه داخل كتاب، بالإضافة إلى بطانيته وملابس السجن، وهناك من القصص ما هو أعجب وأغرب بكثير، لكن اللافت للنظر أن كل هؤلاء الأذكياء سرعان ما ألقي القبض عليهم والسبب سلوك غبي منهم يناقض سلوكهم وطريقة تفكيرهم الذكية داخل السجون.
العبرة.. الابتكار والإبداع والتفكير خارج المألوف وإعمال العقل في أقصى طاقته غالباً ما يكون مقترناً بالمعاناة وانعدام أو قلة الخيارات، فالإنسان له قدرات هائلة لا يستخدم منها إلا جزءاً بسيطاً وتبقى قدراته وإمكاناته الأخرى غير مفعلة.. وحتى المعاناة وحدها ليست كافية فلا بد أن يصاحبها وجود هدف وإصرار على بلوغه وأن ترسم خطط توصل إليه، فنحن نشاهد شعوباً تعاني من الفقر والحصار والجوع وقلة الخيارات لكنها لا تنتج شيئاً ولا تبدع في التفكير.
وعلى العكس من المعاناة فإن الترف والراحة والدعة والكسل لا تصنع الإبداع ولا تظهر ذكاء الإنسان وقدراته كاملة إلا إذا التقت مع أصحاب همم عالية وهؤلاء يحتاجون إلى تصميم وعزم أكبر مما يحتاج إليه من يعيش المعاناة ليحققوا ما يحققه، وهذا ما يفسر لنا لماذا هؤلاء الأشخاص ألقي القبض عليهم ولم يكونوا بمستوى ذكائهم داخل السجن، السبب أنهم خرجوا إلى أماكن ذات خيارات أكبر وحصلوا على نوع من الراحة وزال عنهم جزء كبير من معاناتهم فانخفض مستوى إعمال العقل لديهم.
السؤال الأهم هنا يخصنا نحن من نعيش في هذه المنطقة التي يحترق كل شيء حولها، وكلنا يعلم أن قوى العالم الكبرى لها مشاريع تعمل على تحقيقها في المنطقة، ونحن لسنا خارج هذه المشاريع فإن قدر لنا أن نتجاوزها بسلام فهذا لا يعني بالضرورة أننا سنتجاوزها دون تغير الحال، وخصوصاً الوضع الاقتصادي الذي بدت بوادره من الآن تنذر بقدوم أيام لا تشبه سابقاتها، السؤال هنا، لم ننتظر حالاً تضعف فيه خياراتنا ونبدأ في المعاناة لتتفجر بعدها طاقاتنا ونفكر بكل طاقتنا، ألا يكفينا أن ندرك حقيقة الوضع المحيط بنا ونضع احتمالات لأسوأ ما قد يحصل في المستقبل «عساه ألا يحصل»، لتظهر كل قدراتنا ونحن نملك خيارات عدة أفضل من أن ندخل طور المعاناة بخيارات محدودة؟ وهذا الأمر الكل معني به أفراد وجماعات وحكومات.
بقلم: د. فراس الزوبعي