في يوم من الأيام القليلة التي عادة ما يكون فيها جو العراق معتدلاً ولطيفاً، وذلك قبل الغزو الأمريكي بأشهر، خرج فريق من لجان التفتيش التابعة للأمم المتحدة في جولة استهدفت بعض مواقع معامل التصنيع العسكري، وعادة ما كان يخرج هؤلاء برتل من سيارات الدفع الرباعي ومعهم معداتهم وأجهزتهم ترافقهم لجان من مختلف الأجهزة الأمنية في العراق، تتولى عملية إدخالهم إلى المواقع التي تحددها اللجان بشكل مفاجئ، المهم في القصة أن في ثالث سيارة في الرتل الطويل جلس أحد المفتشين – وربما كان أمريكياً – بجانب السائق وأنزل زجاج النافذة ليستمتع بالهواء وأخرج ساقه اليمنى كاملة خارج السيارة وأسند قدمه إلى المرآة الجانبية خارج السيارة، ورفع صوت مسجل السيارة إلى أقصى درجاته ليستمع إلى الأغاني الصاخبة، وعندما وصل المفتشون إلى إحدى الشركات المقصودة توقفت السيارات عند المدخل الرئيس وترجل أحد المسؤولين من رجال الأمن العراقيين إلى الحرس الواقف على الباب، وكان جندياً مكلفاً بالخدمة الإلزامية يحمل بندقيته ويقف على باب الموقع، فعرفه بنفسه وأمره بفتح البوابة لتمر سيارات المفتشين، فقال الجندي: نعم، لكن اسمح لي دقيقة، وكان الجندي قد انتبه إلى السيارة الثالثة، وتوجه إليها بمشية عسكرية هادئة، وما إن وصل إلى السيارة حتى سحب بندقيته، وضرب رجل المفتش بأخمصها بكامل قوته، فأصيب المفتش بكسر مركب وتدلت نصف ساقه بعد أن انفصل عظميها، فقال الجندي الآن تستطيعون المرور.. تفضلوا .. قال هذه الكلمات وسط صراخ المفتش من الألم.
بعدها ركض بعض رجال الأمن العراقيين المرافقين للجان نحو الجندي، فنزل من إحدى السيارات كبير المسؤولين العراقيين، واستدعى الجندي، وقال له ما الذي حملك على هذا الفعل؟ فأجابه ليتأدب هو وغيره ويحترموا البلد الذي دخلوه والناس الذين يعيشون فيه والمؤسسات التي يدخلونها ولا يرفعون أرجلهم بوجوهنا.
عندما أقدم ذلك الجندي على فعلته لم يضع في حساباته أن فعله سيسبب أزمة سياسية أو أنه سيتعرض للعقوبة والسجن، فقط وضع في حساباته المحافظة على الكرامة والعزة وألا تهدر تحت أي ظرف، وبالنسبة للمفتش ووفق ثقافته لم يقدم على أي إساءة لأن ما فعله أمر طبيعي في مجتمعه لكنه لم يراعِ المجتمع الذي يعمل فيه، كانت هذه القصة قبل أن تطأ أقدام الفرس أرض العراق وقبل أن يتمكن عبيد «الولي الفقيه» من التحكم فيه، لتصبح الصورة الآتية:
عراقيون بأياديهم قطع من القماش يركضون باتجاه إيرانيين وغير إيرانيين، يهوون على أرجلهم ليمسحوا نعالهم وأحذيتهم، وآخرين يدلكون أقدامهم ويقبلونها بعد التدليك!! والجنود الذين مهمتهم الحفاظ على كرامة البلد أصبحت مهمتهم الجلوس على الأرض في صفوف طويلة يحملون على رؤوسهم موائد الفواكه ليلتقط المارة الفواكه من على رؤوس الجنود، وشرطة تعمل المساج للإيرانيين، وفي كل عام نشهد عروضاً جديدة ومهينة من هذا النوع!!
بعد كل هذا ألا يحق لنا أن نقول لهؤلاء: من أنتم؟! فالعراق لا يعرفكم، والعرب لا يعرفون هذا عن العراق، ولغير أهل العراق نقول أطلقوا لخيالكم العنان إذا ما وطئت أقدام الفرس أرضكم، لا سمح الله.
بقلم: د. فراس الزوبعي