لم تكن خطوة غريبة وغير متوقعة تلك التي أقدم عليها النظام الحاكم في العراق عندما شرع قانوناً تحت عنوان «قانون هيئة الحشد الشعبي» معتبراً الميليشيات الطائفية وعصاباتها التي تتلقى أوامرها من الحرس الثوري الإيراني جزءاً من القوات المسلحة العراقية، لكن اللافت للانتباه توقيت إصدار هذا القانون الذي ينبئ بمستقبل هذه الميليشيات وعلاقتها مع الداخل والخارج العراقي.
لا شك في أن هذا القانون جاء بإرادة إيرانية خالصة ففي وقت سابق دعا عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني، النائب محمد صالح جوكار، إلى تشكيل قوات حرس ثوري في العراق على غرار ما هو موجود في إيران، ومعه أيضاً الجنرال محسن رفيقدوست، القائد السابق للحرس الثوري الإيراني وأحد أبرز مؤسسي الحرس بعد ثورة عام 1979، الذي أعرب عن استعداد إيران للمساهمة بقوة في تشكيله وأنها ستنقل تجاربها في هذا المجال إلى العراق، كما ذكر أن الحرس الثوري الإيراني مجرب على المستوى الدولي.
ومن يقرأ قانون هيئة الحشد الشعبي الحالي، ولو قراءة سريعة يجد أنه يختلف عن أمر دمج الميليشيات في الجيش التي لجأ إليها بريمر الحاكم المدني للعراق بعد احتلاله، فالقانون في أول نقطة من الفقرة الثانية من مادته الأولى ينص على أن الحشد تشكيل عسكري مستقل وجزء من القوات المسلحة يرتبط بالقائد العام للقوات المسلحة، إذاً نحن أمام نسخة الحرس الثوري الجديدة التي خطط لها ونفذها الإيرانيون في العراق، ولذا كانت إيران أول المبتهجين بالقانون واعتبر سفيرها في العراق إقرار القانون إنجازاً كبيراً، ويبقى الأمر الأهم في كل هذا هو لماذا خرج القانون بهذا التوقيت مع أن ميليشيات الحشد الشعبي مشكلة وتمارس عملها الإجرامي منذ أكثر من عامين، وأين سيكون مجال نشاطها القادم؟
ما هو واضح أن هذا القانون أقر على عجل مستبقاً تسنم الرئيس الأمريكي الجديد «ترامب» مهام عمله، فإيران ليست مرتاحة، وهي متخوفة من مجيئه، وربما تعلم سياسته تجاه الميليشيات، وحقيقة أمريكا لا تريد الميليشيات وإنما تريد تنفيذ أعمال قذرة بها ثم ينتهي دورها، كما أن إيران تريد تقديم هذه الميليشيات للعالم على أنها قوة نظامية وليست تشكيلاً جمع أفراد العصابات الطائفية كما هو واقع حالها، أما ساحة عملها القادمة فستتجاوز الحدود العراقية، فهي لا تستطيع العمل في الأراضي التابعة لإقليم كردستان وأماكن العرب السنة التي دخلتها وأحالتها خراباً وعينت عليها ميليشيات من أبناء هذه المناطق يدينون لإيران بالولاء، أما عملهم في المناطق التي انحدروا منها ذات الكثافة الشيعية فسيكون محدوداً ولغرض فرض السيطرة لإيران فقط، وستكون مهمات هذه العصابات خارج الحدود العراقية وبأوامر إيرانية وبدل أن تقدم إيران خسائر بشرية كما هو حاصل اليوم في سوريا، ستقع الخسائر بهذه الميليشيات.
* هيبة العصابات..
ذكر في موجبات هذا القانون أنه جاء لـ «تعزيز هيبة الدولة وحفظ أمنها»، وبذلك يؤكد النظام الحاكم للعراق أنه نظام عصابات وميليشيات طائفية، لا يتمكن من إقامة دولة المؤسسات، وأي نظام يحترم نفسه لا يقبل أن تعزز الميليشيات هيبة دولته لأنها في الواقع لا تبقي للدولة أي هيبة، والعراق في السابق كان مهاباً بجيشه وليس بعصابات إيران.
بقلم: د. فراس الزوبعي