يبقون ونمضي!

بعد احتلال أمريكا للعراق وبدء المقاومة العراقية بعملياتها المسلحة، وتصاعد هذه العمليات بطريقة لم تتوقعها القوات الأمريكية، بدأت هذه القوات خطة إعلامية في محاولة منها للتخفيف من عدد العمليات ضدها، فوضعت في شوارع المناطق التي تشهد عمليات المقاومة وهي مناطق العرب السنة، إعلانات كبيرة فيها صور مختلفة للآليات العسكرية الأمريكية كلها صورت من الخلف في إشارة إلى انسحاب هذه القوات، أما ما كتب على الإعلانات فكان موحداً فيها جميعاً وحمل عبارة واحدة تقول «يمضون ونبقى»، أي أن العراقيين يقولون: الأمريكان سيمضون ونحن سنبقى في بلدنا، وعليه لم نقاتل الجيش الأمريكي وهو راحل عنا؟، ولطالما قرأت هذه الإعلانات وكنت أقول في قرارة نفسي أن ما سيحصل في المستقبل عكس هذه العبارة تماما فالواقع أنهم «يبقون ونمضي».
والواقع هذا ما حصل، مضى كثير من العراقيين إلى خارج العراق، واليوم تتأكد هذه الحقيقة أكثر فالقوات الأمريكية تضاعف أعدادها في العراق، وستجعل العراق موطنها في الشرق الأوسط وأكبر قواعدها خارج أمريكا، هذه استراتيجيتها العسكرية التي لم تكن غائبة عن الكثيرين، لكن الجديد في الأمر هو الإفصاح عنها، إذ أعلن وزير الدفاع الأمريكي الحالي أشتون كارتر أن بلاده لن تنسحب من العراق بعد هزيمة تنظيم الدولة «داعش»، ويأتي إعلانه هذا تبريرا وتمهيدا لعمل خلفه الجديد الذي اختاره ترامب ليكون وزير الدفاع في إدارته، الجنرال المتقاعد جميس ماتيس المعروف بـ «الكلب المجنون» الذي هو ليس بعيدا عن العراق والشرق الأوسط فقد عمل في الفترة بين 2010-2013 قائدا للقيادة الأمريكية الوسطى التي أشرفت على القوات الأمريكية في العراق وأفغانستان، وله موقف واضح من إيران، فقد أعلن في أبريل الماضي أن النظام الإيراني يشكل التهديد الأكثر خطورة على السلام واستقرار الشرق الأوسط.
وبحسب مسؤولين أمريكيين فإن الوزير الجديد سيركز على الموقف العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط لمواجهة ارتدادات القضاء على تنظيم الدولة «داعش»، والأهم مواجهة التوسع الإيراني الكبير في المنطقة مع بروز تحالفها مع عدد من الميليشيات الشيعية المتنفذة في بعض الدول العربية، وأنه سيرسل المزيد من القوات والطائرات والدوريات البحرية، وأنه سيتخذ موقفاً متشدداً من إيران وميليشياتها التي أصبحت نسخة ثانية من الحرس الثوري الإيراني تدور في فلكه وتخضع لأوامر قادته.
لذا فإن استراتيجية إيران في المرحلة القادمة في العراق ستكون كما يأتي:
* عدم استهداف العرب السنة بشكل مباشر والتنكيل بهم كما هو حاصل اليوم.
* محاولة تبييض صورتها وصورة ميليشياتها في عيون العرب السنة واللعب على وتر الوطنية وأننا أخوة في الدين.
* الإيعاز إلى ميليشياتها لتنفيذ مهام مسلحة ضد القوات والقواعد الأمريكية.
* محاولة تقديم دعم مالي وعسكري لأطراف عربية سنية عرفت بمقاومتها المسلحة للأمريكان في السابق، لتدفعها لضرب القوات الأمريكية باعتبارها قوة احتلال.
* ربما ستعمل على إطلاق سراح عدد من رجال العرب السنة في معتقلاتها ممن عرفوا بالمقاومة سابقاً لينخرطوا في قتال القوات الأمريكية مرة أخرى وليثبتوا حسن نيتهم للعرب السنة.
أما العرب السنة فهم أصحاب الأرض التي وضعت أمريكا فيها قواعدها العسكرية، وعادت الان إلى قواعدها بعد أن دمرت مدنهم بالكامل وشردتهم، فهم أمام خيارين:
* الأول: أن تنطلي عليهم ألاعيب إيران ويقعون في فخها ويختارون قتال القوات الأمريكية، وعندئذ سيحصلون على دعم إيران – ربما عن طريق طرف ثالث – وعندها سيضيفون دمارا إلى دمارهم، فمن ينظر إلى تشكيلة الإدارة الأمريكية الجديدة يرى أنها إدارة حرب فرجالها من خلفية عسكرية، والوقوع في فخ إيران يعني أن تكون وقودا لهذه الحرب.
* الثاني: إدراك الواقع والتعامل معه وعدم الوقوف على أعتاب الدول للبحث عن حلول، والتعامل بشكل مباشر مع أمريكا التي جاءت لتبقى، والوصول معهم لاتفاق ينتج وضعاً يحفظ لهم دماءهم وأبناءهم ومدنهم ويمكنهم من إدارتها، فأمريكا خاضت معركتها معهم سابقاً والآن معركتها مع إيران وليدعوا إيران وميليشياتها تواجه أمريكا.

بقلم: د. فراس الزوبعي