المصطلح الذي لم ولن يعتمد له تعريف

معلوم أن كثرة التعريفات وتعددها لمصطلح واحد تسبب الإرباك للباحثين، فما بالك بمصطلح له أكثر من مائة تعريف، لم ولن يعتمد واحد منها ويتفق عليه ولذلك أسباب.
الإرهاب مصطلح لم ولن يتم الاتفاق على مفهومه، ليس لأنه غامض أو محير، أو أنه مكتشف حديثاً، أو أن البشر عجزوا عن تحديد مفهومه، فالمصطلح قديم جداً وله تعريف جامع مانع وفيه أقسام، إلا أن العالم لا يعتمده أو يعتمد غيره -وإن كان فيه خلل وأخطاء- ليصنف الأحداث إرهابية أو غير إرهابية على أساسه، أمريكا والغرب والدول الأخرى صاحبة القوة حددوا مفهومهم للإرهاب من دون إعلان أو اعتماد معلن لهذا المفهوم، لأنهم ببساطة يعدون الإسلام هو الإرهاب والإرهابيين هم المسلمون، وبقيت هذه القناعة راسخة لديهم قروناً طويلة من دون تصريح أو تلميح منهم، إلا أنهم بعد انقضاء فترة الصراع الغربي الشيوعي، وانهيار المعسكر الاشتراكي وتفكك الاتحاد السوفيتي وتفرد أمريكا بقيادة العالم، بدأت القناعة الغربية عن مفهوم الإرهاب تظهر تلميحاً، وبدأ العداء للإسلام يظهر بشكل علني، ومعها بدأنا نسمع بمصطلح الإرهاب يتكرر في قاموس الإعلام اليومي وفي المحافل والمنتديات الدولية والسياسية والاقتصادية والإعلامية وكأنه مصطلح مكتشف للتو، ومع ذلك كله نجد المصطلح يلصق بالمسلمين في كل مرة، والهدف من ذلك كله توسيع دائرة العداء والكره للإسلام والمسلمين، وصناعة رأي عام عالمي يعد الإرهاب قرينة من قرائن المسلمين.
هذا التضليل والكذب ساهمت فيه شركات أمريكية تسيطر على قرابة السبعة آلاف محطة إذاعية وأكثر من 700 قناة تلفزيونية وأكثر من 1500 صحيفة يومية، وأبسط مثال على ثمرة عمل هذه المؤسسات، حملة التضليل التي قادتها المخابرات ووزارة الدفاع الأمريكيتين بمشاركة وزارة الخارجية، والتي تمثلت باتهام العراق بامتلاكه أسلحة الدمار الشامل، وقدرته السريعة على استخدام هذه الأسلحة ضد العالم «الحر» و«إسرائيل» وهي مزاعم لم تستطع أمريكا إثباتها مع كامل قدرتها على التأليف والإخراج الهوليودي للأحداث، كذلك هناك دراسة لأستاذين كنديين عن التغطية الإعلامية للعمليات الإرهابية في صحيفتي «نيويورك تايمز» الأمريكية و»التايمز» البريطانية، اختارا فيها 158 حادثاً إرهابياً في مناطق متفرقة من العالم، وكيفية تغطية الصحيفتين لها، خلصت هذه الدراسة إلى وجود تعمد واضح في إبراز أحداث قد تكون وهمية أو غير ذات قيمة، وإهمال أحداث تشكل خطراً على الأمن والسلم الدوليين، وهذا كله يدور في إطار إلصاق مفهوم الإرهاب بالإسلام والمسلمين.
أما عدم اعتماد تعريف واحد للإرهاب والاتفاق عليه فهو أمر مقصود ومتعمد، ويعود لسببين رئيسيين:
الأول: لا بد من إبقاء هذا المصطلح مرناً يمكن تشكيله بصور مختلفة للحفاظ على إمكانية إلصاقه في أي دولة أو جهة أو منظمة أو شخص، فهو بمثابة السلاح الفعال بيد أمريكا والدول القوية في العالم.
الثاني: الاتفاق على أي تعريف من التعريفات التي تجاوزت المائة واعتماده عالمياً، سيتسبب في إدانة الدول القوية بالإرهاب نفسه، لأن هذه الدول مارست الإرهاب وتمارسه بطرق مختلفة وتحت مظلة الشرعية الدولية، ولا يمكن إنكار ذلك.
إن أخطر نقطة في موضوع تحديد مصطلح الإرهاب تلك التي تتعلق في نقطة الفصل بين الحق المشروع في مقاومة الغزو والاحتلال ومقاومة التمييز العنصري والطائفي، وبين أعمال الإجرام والاعتداءات غير المبررة، لاسيما مع التطور السريع في مواقف الدول الغربية التي باتت تصنف منظمات وجماعات تمارس حقها المشروع في التحرر، وتلصق بها تهمة الإرهاب.

بقلم: د. فراس الزوبعي