مع كل حدث يقع في تركيا، يثير تعاطي الكتاب وأهل الرأي والمفكرين العرب مع الحدث تساؤلات، لست هنا لأتحدث عن هجوم إسطنبول، بل مع تعاطي العرب مع الحدث وباقي أحداث تركيا وكأنهم جزء منها.
بداية ليس لي موقف سلبي من تركيا، وأتمنى الخير لها ولشعبها كغيرها من الدول الإسلامية، لكن من المؤلم أن يكون جزء مهم من المنطقة العربية غارقاً بدماء أبنائه، يعيش أهله صراع البقاء والحفاظ على الهوية، ونجد نخبه منشغلة بتركيا ومشاكلها، وكمثال لنأخذ حادث الهجوم على الملهى الليلي أو المطعم كما يحب أن يسميه كثير من المتحدثين عن الحادث، ومن وحيه أضع بين يدي القارئ الكريم مجموعة من الأسئلة تاركاً له الإجابة.
لا أدري لماذا أصبح بعض الكتاب والمفكرين وحتى العلماء كطيور الماء التي تطفو فوق سطحه وفجأة تغوص إلى الأعماق لالتقاط الصيد، ففرغوا أنفسهم للغوص في النصوص التراثية الإسلامية، منقسمين إلى فريقين، فريق يخرج نصوصاً تدافع عن ضحايا الهجوم الذين قتلوا في الحادث مبررين وجودهم في هذا المكان ويأتي بشهادات وأخبار تبين أن المكان مقصد سياحي اجتماعي، بينما يأتي آخر ويعترف أنه ملهى ليلي ومكان لشرب الخمور لكنه يعرض علينا قصة أبي محجن الثقفي الذي كان يشرب الخمر وسجنه سعد ابن أبي وقاص وحرمه الاشتراك في معركة القادسية، ثم أطلقته زوج سعد فقاتل وأثخن في العدو وتاب بعدها عن شرب الخمر، ويربط لنا هذه القصة في حادث تركيا، بينما يأتي آخر ويذهب في الاتجاه المعاكس ليبرر لمن نفذ الهجوم على الملهى فعلته ويجعله من الفرسان الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر، ويقدم أدلته على صواب الفعل، وقد تناسى الطرفان مسألة مهمة، فلا الذي نفذ الهجوم كان منتظراً لفتوى وتبرير من أيده، ولا الذين ذهبوا إلى الملهى أو المطعم كان يهمهم رأي من دافع عنهم؟ لا أدري لماذا تحول الكثيرون فجأة إلى محللين أمنيين وسياسيين واقتصاديين متحدثين عن طبيعة المكان وهل هو متوافق مع الشريعة الإسلامية أم لا، في هذا الحدث وغيره من أحداث تركيا؟
لماذا لا تتعامل نخب المسلمين مع تركيا وقضاياها باعتبارها دولة إسلامية كغيرها من الدول؟ لماذا هذا الحماس المضاعف باتجاه قضاياها قياساً بقضايا العرب، فنجد الكثيرين يسارعون في إصدار بيانات الاستنكار والرفض والدعوة للتفكير في قضية إنعاش السياحة في تركيا والخوف عليها من التأثر بهذه الأحداث، ألسنا نخسر في أرضنا أضعاف ما تخسره تركيا؟ لماذا مع كل حدث من هذا النوع ينهال علينا كثير من الكتاب بإحصائيات تذكر بإنجازات أردوغان وحزبه في تركيا ومحاولاته جعل تركيا منضبطة بأوامر الشريعة الإسلامية وأنه لا يستطيع التغيير بشكل مفاجئ ويغلق المراقص والملاهي؟ هل وصلت النخب العربية إلى قناعة بأن القضايا العربية باتت من المعضلات التي لا يمكن حلها، فبدأت تهرب من واقعها لتذوب في قضايا تركيا وتتعامل معها؟ مع أن تركيا لها شعب وحكومة تقدم مصالحها ومصالح شعبها على العرب وغيرهم.
إذا استمرت نخب العرب في التعاطي مع قضايا تركيا بهذه الطريقة سنجد أنفسنا قريباً أمام آراء وفتاوى تأمرنا بوجوب الهجرة إلى تركيا باعتبارها دار الإسلام الوحيدة، والالتحاق برئيسها كالالتحاق بالنبي عليه الصلاة والسلام بعدما هاجر إلى المدينة قبل فتح مكة.
بقلم: د. فراس الزوبعي