إذا كانت هذي “المغراطية” فإني بريء منها
واحد من شيوخ عشيرة شمر بالعراق زار عبد الرحمن النقيب – نقيب أشراف بغداد وأول رئيس وزراء للعراق في العصر الحديث – وصار بينهم هذا الحوار: بعد الترحيب بشيخ القبيلة، نقيب الأشراف يسأل الشيخ ويقول له، أنت ديمقراطي؟ طبعا عبد الرحمن النقيب كان نموذج للأرستقراطي الأصيل المعارض للديمقراطية اللي جابتها بريطانيا للعراق، لكنه في تلك الفترة اللي زاره فيها شيخ العشيرة (1921) النقيب وصل عمره الثمانين وغير موقفه بالكامل من الديمقراطية ومن الملك فيصل الأول وصار يدعو إلى الملكية الدستورية، وبعد أن سمع شيخ العشيرة سؤال النقيب، قال له: (لا والله أنا مو مغراطي) لكنه سأل النقيب، (شنو هي المغراطية؟) لأنه ما سمع بيها قبل هالمرة، فرد عليه النقيب وقال له: (زين أنا شيخ الديمقراطية) وهنا شعر الشيخ أنه أخطأ في رده على النقيب فتدارك الموقف وقال: (دخيل الله إذا أنت شيخ المغراطية فأنا واحد منهم، أنا خادمك بس هي شنهي؟) فشرح له النقيب معنى الديمقراطية وقال له: الديمقراطية تعني المساواة بين الناس، وماكو بيها صغير أو كبير الكل سواسية، طبعا السالفة ما عجبت الشيخ وعلى طول افتهم أن الديمقراطية تعني ضياع مشيخته، فقال للنقيب: (إذا كانت هذي المغراطية فالله يشهد إني بريء منها).
لما غزت أمريكا العراق قبل أكثر من 14 سنة كنت أستاذ بوحدة من الجامعات ببغداد وبعدما رجعنا للدوام والطلاب رجعوا للدراسة وباشر المستشار الأمريكي بوزارة التعليم العالي وصار هو الوزير الحقيقي، وصلنا كتاب رسمي فيه تعليمات تقول تلغى مادة الثقافة القومية التي كانت موجودة بكل الجامعات وتفرض بدلها مادتي (الحرية والديمقراطية) و (حقوق الإنسان)، أمريكا قالت راح ننقلكم لعالم جديد عالم الديمقراطية والحرية اللي ما شفتوها بعمركم وحقوق الإنسان اللي ما سمعتوا بيها، وأول ما بدينا تدريس المادتين اشتغلت عمليات التصفية على أبواب الجامعات التي تدرس الديمقراطية وحقوق الإنسان، وانتشر بعدها القتل على الهوية ودخلنا بحرب طائفية طاحنة، وسلسلة من عمليات التهجير والنزوح، واستحواذ داعش وماعش على البلد، وشفنا نفسنا منتقلين من حكم الحزب الواحد (حزب البعث) إلى حكم الحزب الواحد (حزب الدعوة)، يبين مادة الحرية والديمقراطية أثرها قوي.
طلعت السالفة غير شكل منتج الديمقراطية الأمريكي اللي مرتبط به دايما الأمن والاستقرار والازدهار الاقتصادي والعيش الكريم وتمتع الإنسان بالحقوق التي تحفظ أمنه وكرامته، تبين أنه منتج للاستخدام المحلي فقط وليس للتصدر أما اللي صدرته أمريكا وفرضته علينا فكان مجرد (بضاعة مضروبة).
عمي إذا كانت هذه “المغراطية” فالله يشهد أني بريء منها.