ينادونه «أستاذ»!!

دخل «الحاج جاسم» إلى السوق قائداً ثلاثة كلاب بوليسية يشبه بعضها بعضاً؛ فطلب في الأول ألف دولار، وقال إن من أهم ميزاته أنه إذا دخل اللص إلى البيت أمسك به ولا يتركه إلا إذا حضر صاحب البيت، كما إنه طلب في الثاني ثلاثة آلاف دولار، وقال هذا عجيب، إذا دخل اللص إلى البيت أمسك به ولا يتركه إلا إذا حضر صاحب البيت وحضرت الشرطة أيضاً، وأخيراً طلب في الثالث، عشرة آلاف دولار، فاستغرب الجميع من فارق السعر وسألوه، ما الذي يمكن لهذا فعله أكثر من صاحبيه، أجاب «الحجي»: «والله ما يسوي شي لكن أشوف هذا وهذا -مشيراً إلى الكلبين الآخرين- ينادونه أستاذ»!!.قبل عدة أسابيع وأنا أُكره نفسي على سماع أخبار العراق التي تأتينا دائماً بلون ورائحة الدم، سمعت من بينها أن المفوضية العليا «المستقلة» للانتخابات فتحت أبواب تسجيل الأحزاب السياسية التي يرغب قادتها خوض الانتخابات البرلمانية القادمة عام 2014، وهذه الأحزاب والكيانات السياسية في عراق ما بعد الاحتلال يبلغ عددها أكثر من هموم الشعب، حتى إني أذكر فيما أذكر أن عددها في انتخابات مجالس المحافظات في عام 2009 بلغ 504 أحزاب سياسية، هذا إذا علمنا أنه لم يكن في العراق سوى حزب واحد منفرد بالسلطة، ليس هذا غريباً على العراق فهذا حاله في كل شيء ومنذ سنين طويلة «لو محروم لو متخوم» على كل حال فلا عبرة بهذه الأعداد فالنتيجة محسومة لصالح عدد قليل منها.
ومن له أدنى اطلاع في شؤون السياسة والحياة العامة يعلم أن من المفترض أن مهمة هذه الأحزاب هي ممارسة العمل السياسي من خلال تطبيق برامجها السياسية، إلا أننا منذ العام 2003 وإلى يومنا هذا لم نشهد حزباً واحداً أدى هذه الوظيفة، فالعراق يسير من سيء إلى أسوأ ويتصدر قائمة دول الفساد، ومؤخراً أصبح جواز السفر العراقي ثاني أسوأ جواز سفر في العالم، وكل ذلك بفضل شخصيات لا يعرف الشعب العراقي عنها شيئاً إلا ما أحيط بهم من أوصاف كــ «أستاذ» و«دكتور» لكن أستاذ بأي شيء، ودكتور من أين وبأي تخصص، الله أعلم.
اليوم وقد دخل العراق عامه الحادي عشر من عمر الاحتلال والوجوه التي جاء بها المحتل لم تتغير ولم تتبدل، وقد علمنا علم اليقين دورهم في نشر الطائفية وتغذيتها وتهميش وإقصاء الآخر، وشهدنا أعمال ميليشياتهم في القتل والإرهاب والتهجير، وكلها أعمال لتنفيذ أجندات الدول التي احتضنتهم، أما عن أعمالهم وأجنداتهم هم فأننا لم نشهد ولم نعلم لهم أي دور في خدمة البلد أو النهوض به أو حتى الحفاظ على دوره السياسي الضعيف الذي كان عليه قبل الاحتلال، وكل ما نعرفه عنهم في هذا الجانب إلى الآن أن أصحابهم ومناصريهم ينادونهم بـ «أستاذ».

بقلم: د. فراس الزوبعي