القيم مجموعة من العقائد المفضلة عند شعب أو حضارة ما، تتحول إلى أسلوب حياة وتحدد لصاحبها تصوره عن الحياة بل وتحدد له مظهره وذوقه وسلوكه العام أيضاً، ولعل المسلمين والعرب تميزوا بقيم سامية طالما حافظوا عليها وتفاخروا بها، إلا أن عدداً منهم انسلخ عن هذه القيم وعمل بضدها.
قبل أيام قليلة تناقلت بعض وسائل الإعلام وبشيء من التعجب قصة ذلك الأمريكي في ولاية لاس فيغاس الأمريكية حيث يعمل سائق سيارة أجرة في إحدى الشركات هناك، وقد أخبره أحد الزبائن بوجود صندوق ورقي على المقعد الخلفي، فظن السائق أن الصندوق يحتوي على الشوكولاتة، ولكن المفاجأة كانت عندما فتح الصندوق فوجده مليئاً برزم الدولارات التي بلغ مجموعها ثلاثمائة ألف دولار وكانت لرجل مقامر ركب معه كان قد حصل عليها بسبب لعبة بوكر؛ السائق «وعلى غير عادة الأمريكيين» سارع إلى شركته ليخبر عن الحادث ويسلم المبلغ، والشركة بدورها اتصلت بالشرطة وبعد البحث والتحري مع نادي القمار توصلوا للمقامر وسلموه المبلغ، بعد ذلك حررت الشركة صكاً بقيمة ألف دولار كمكافأة للسائق الأمين، الذي عدها مكافأة لا بأس بها للتسوق لأعياد رأس السنة الميلادية.
ما أثار انتباهي في هذه القصة جواب السائق على سؤال وجهه له أحد الصحافيين عندما سأله لماذا أعدت المبلغ؟ فقال له: سمعتي تستحق، وسمعة العائلة تستحق، وسمعة الشركة تستحق. القضية كلها إذاً تدور حول قيمة عليا وهي قيمة الأمانة التي ضيعتها نسبة كبيرة من البشر ومنهم عدد كبير من العرب والمسلمين، ولا أعتقد أن وسائل الإعلام استغربت من القيمة بقدر استغرابها من تطبيقها في هذا الزمن.
ذكرتني هذه القصة بنكتة يتندر بها العرب مفادها أن أحدهم أضاع مبلغاً من المال، وعندما بدأ البحث عنه دعا الله ألا يقع المال بيد معمم، فقال له صديقه ولم؟! قال: إذا وقع المال بيد شخص عادي فهناك احتمالان إما أن يكون الشخص أميناً فيعيده لي أو العكس فيأخذه، أما إذا وقع بيد معمم فليس هناك إلا احتمال واحد وهو أن يأخذ المبلغ ثم يستخرج له الفتوى المناسبة ليستحل بها المبلغ.
وإن كان في هذه الطرفة شيء من التهكم والتجني على البعض، إلا أن واقعنا اليوم أصبح أسود من واقع إضاعة المال فهؤلاء المعممون تصدروا المشهد السياسي في عدد من الدول ووقفوا خلفه في عدد آخر، وتعاملوا مع قضايا الناس لا على طريقة الأمريكي سائق التاكسي، بل على طريقة خائن الأمانة فباعوا أهلهم وأوطانهم، وراحوا ينشرون الخراب والدمار في دول حملوا هويتها وجنسيتها، وتبين أن عمل أكثرهم لصالح أجندات خارجية، ومؤخراً بعدما كشروا عن أنيابهم انكشفت علاقتهم بالمخربين والإرهابيين وقاطعي الطرق، فتبين أن التنظير والأوامر تأتي منهم.
بالتأكيد هؤلاء لم يكونوا بمستوى سائق تاكسي لاس فيغاس الذي راعى قيمة الأمانة، ولم تشغلهم س
معتهم وسمعة عوائلهم وأوطانهم كما شغلته هو.
بقلم: د. فراس الزوبعي