سياسة التدمير والبناء إحدى أدبيات السياسة الخارجية الأمريكية، استعارتها إيران بعد الثورة لتعتمدها في الداخل ثم صدرتها مع تصدير الثورة لتحكم سيطرتها على الدول المستوردة للثورة.
مبدأ التدمير والبناء موجود في السياسة الخارجية الأمريكية، وقد أوجده المؤرخ الأمريكي تاير ماهان عام 1902، وأعادت كونداليزا رايس توظيفه في الشرق الأوسط بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1990، وصار يعرف في ما بعد بالفوضى الخلاقة، وإقحام كلمة «الخلاقة» لتجمل الفعل وتكسبه نوعاً من القبول فيوحى للسامع أن بناءً وتجديداً سيكون بعد التدمير، بعد إزاحة الشاه عام 1979 من عرش إيران اعتمد الخميني هذه السياسة في الداخل الإيراني؛ فدمر كل مؤسسات الدولة على عهد الشاه وأعدم جنرالات الجيش وشكل لإيران نظاماً جديداً يقوم على حكم الملالي، وهذا أهم ما جناه نظامه من استخدام هذه السياسة داخلياً بعد الثورة، وقد كانت لهذه السياسة آثار سلبية على إيران في الجوانب السياسية والاقتصادية والعسكرية، احتاجت سنين لتتغلب عليها.
وبعدما شرعت إيران في تصدير الثورة وامتلكت وسائل التدمير في الخارج انتقلت لمرحلة اعتماد التدمير والبناء في السياسة الخارجية وأصبح هذا المبدأ صورة من صور الالتقاء في المصالح بينها وبين أمريكا صاحبة الامتياز في هذه السياسة ومطورتها والساعية لتطبيقها في منطقة الشرق الأوسط، فهي سياسة لعبت دوراً كبيراً في تغيير أنظمة الحكم المعاصرة من خلال إخضاعها لحالة من الفوضى والهدم الممنهج بقصد تدميرها بالكامل وإعادة بناء نظام سياسي جديد يوالي الطرفين، ويبدو أن إيران حصلت مؤخراً بعد مباحثاتها النووية على اعتراف بها كلاعب رئيس في المنطقة وعليه ستلعب بطريقة التدمير والبناء التي سبق وأن اعتمدتها في الداخل وشاركت أمريكا فيها في الخارج بعد احتلال العراق وتدمير مؤسساته وإعادة بنائه بنظام تابع لها، لاسيما اليوم وأنها تمتلك أدوات هذه السياسة في الدول العربية كحزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن وبعض التنظيمات في البحرين، وستشهد الأيام المقبلة ازدياداً في الدعم الإيراني لهذه الأذرع في دول المنطقة، لذا ليس من المستغرب أن يقول ممثل المرشد في الحرس الثوري علي سعيدي: «إن من فنون الإمام الخميني الذكية التدمير والبناء لتغيير نسيج القوى الحاكمة» داعياً جميع الثورات في المنطقة أن تهتدي بهدي الخميني، واصفاً الغوغاء الذين يقفون وراء أحداث الشغب في البحرين بأصحاب الهمة العالية والإرادة الجبارة، مشيداً بدور رجال الدين في الأعمال التخريبية.
سياسة التدمير تفضي إلى تفكيك النسيج الوطني وقد يصل إلى الجغرافي في بعض الأحيان أما الاقتصادي فإنه يحتاج إلى عشرات السنين ليعود إلى وضعه قبل التدمير، وعليه لابد من سياسة مضادة تعتمدها الدول المستهدفة لمواجهة هذا الخطر.
بقلم: د. فراس الزوبعي