خيار وفقوس العدالة الدولية

امرأة سودانية أقام المجتمع الدولي الدنيا من أجلها ولم يقعدها بسبب حكم إعدام قضائي صدر بحقها، وسواء أكان الحكم الصادر عادلاً أم ظالماً، فإن ما يهمنا هنا هو ردود الفعل الدولية تجاه القضية التي كانت وفق سياسة الكيل بمكيالين.
انشغلت وسائل التواصل الاجتماعي وقنوات الأخبار العالمية في الأيام الماضية، بقضية امرأة سودانية ارتدت عن دين الإسلام واعتنقت المسيحية وتزوجت من رجل مسيحي فأنجبت منه مولوداً وحملت بالآخر، وقد تضاربت الأقوال حول هذه الحادثة، فمن يؤيدها يقول إنها طبيبة ولدت لأم مسيحية وأب مسلم هجر أمها وهي طفلة، فنشأت على دين أمها، وبالتالي فهي مسلمة على الورق فقط، أما الجانب الرسمي السوداني فذكر أن هذه القضية فيها مغالطات كثيرة؛ فالمرأة ليست طبيبة وأنها تعمل في المختبرات الطبية، كما أنها من أب وأم مسلمين ومن أسرة مسلمة معروفة وأن أخاها هو من رفع القضية ضدها، والموضوع ليست له أي دوافع سياسية أو طائفية، والنتيجة أن حكمين قضائيين صدرا بحقها، الأول جلدها مائة جلدة بحد الزنا، والثاني حكم بالإعدام لردتها، وحسب القانون السوداني فإن المرأة ستترك لتلد الشهر القادم ثم تمهل عامين بعدها لترضع صغيرها وتعدم بعد ذلك.
اللافت للنظر أن ردود الفعل العالمية كانت على مستوى مرتفع؛ فالخارجية الأمريكية تطالب السودان باحترام الحرية الدينية، وأبدت انزعاجها من قرار المحكمة، أما الخارجية الإيطالية فصرحت بأنها تعمل لإنقاذ حياة المرأة، والأمين العام للأمم المتحدة الصامت نطق بإدانة الحكم، وسفارات كل من هولندا وبريطانيا وكندا أصدرت بياناً تعرب فيه عن قلقها لهذا الحكم.
وبعيـــداً عـــن عدالـــة الحكــــم الذي راح يناقشـــــــه المتخصصون في القانون والشريعة، فإن كل هؤلاء نشطوا وتحركوا لقضية إنسان واحد فقط، لكنهم لم يتحركوا لما يجري من إبادة جماعية في دولة غير بعيدة عن السودان، وهي جمهورية أفريقيا الوسطى، التي يباد فيها المسلمون بالجملة من قبل الميليشيات المسيحية أمام أنظار العالم ولأسابيع عدة، ولم يتحركوا تجاه ما يحصل من إبادة جماعية للمسلمين في سوريا والعراق على يد الميليشيات الإيرانية، ولم يتحركوا تجاه ما يحصل للمسلمين في مينمار على يد الميليشيات البوذية، وكل ذلك في زمن واحد، لأن المتضرر فيها هو المسلم، وهذا له ميزانه الخاص به، فصدق فيهم قول الشاعر:
قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفر
وقتل شعب آمن مسألة فيها نظر
العدالة الدولية ينطبق عليها المثل المصري الشائع «خيار وفقوس»؛ فالثمرتان من صنف الخيار، وكلاهما متشابه في الشكل إلا أن لكل معاملة خاصة.
ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين مفهوم سياسي يطبقه الغرب مع المسلمين منذ زمن، فالمبادئ المقبولة مع أناس غير مقبولة مع آخرين، وأينما ذكرت هذه السياسة ذكرت أمريكا والغرب معها.

بقلم: د. فراس الزوبعي