لطالما مررت بالشوارع المحيطة بمستشفى الملك حمد الجامعي، وسبق أن دخلت المستشفى ثلاث أو أربع مرات على عجالة بقصد زيارة مريض أو مرافقة آخر ليراجع طبيبه، وفي كل مرة أدخل ذلك المستشفى أعجب بعمرانه، لكن مشاهداتي في تلك الليلة تختلف كثيراً عن نظرة الإعجاب هذه.
قبل أيام رافقت مريضاً إلى ذلك المستشفى، كان قد تعرض إلى وعكة صحية استدعت قدوم سيارة الإسعاف وبعد أن أجري له اللازم في البيت نقل إلى المستشفى وهو بحالة لا بأس بها، فكانت فرصة لأتعرف على المستشفى بشكل أوسع؛ رغم أن المريض وصل بحالة مستقرة إلا أنه أدخل إلى الطوارئ وخلال ثوان معدودة وضعت له أجهزة عدة لتراقب حالته وحصل على بعض الأدوية بشكل سريع وخلال ساعتين أو ثلاث أجريت له مجموعة تحليلات وتخطيط للقلب وأكثر من نوع من الأشعة وعاد طبيعياً كما كان، وقد ظننت والمريض أنه سيخرج بعد كل هذه الفحوصات وتعاقب ثلاثة أطباء في المرور عليه إلا أن المستشفى رفضت خروجه لأن الفحوصات لم تظهر ما كان قد تعرض له، ونقل إلى إحدى الردهات فأبقي عليه ليلتين مع مزيد من الفحوصات حتى علموا ما حصل له في تلك الليلة، فمنح إذن الخروج مع جملة من التوصيات والتعليمات والأدوية ومواعيد جديدة للمراجعة.
قضيت مع المريض أربع وعشرين ساعة شاهدت خلالها زيارة عدد من الأطباء والطبيبات والممرضين والممرضات البحرينيين والأجانب وطريقة تعاملهم الإنسانية مع المريض، لا يفرقون بين مواطن ومقيم، ورغم أنهم كغيرهم من البشر تعتريهم هموم الحياة ومشاكلها إلا أن وجوههم كانت بشوشة دوماً ولم يعكسوا ما في داخلهم على المرضى، في تلك الليلة لم تمر ساعة كاملة إلا ودخل ممرض أو ممرضة لإجراء شيء ما للمريض، وأنا أسير في أحد الممرات وإذ بممرضة تقود مريضاً على كرسي متحرك وهو يتذمر من المرض ويصب جام غضبه عليها وعلى المستشفى إلا أنها كانت مستوعبة له بالكامل، أما المستشفى فبرغم طاقمه المؤلف من مئات الأشخاص ونزلائه الكثر إلا أن الهدوء والسكينة سمة لا تفارقه ليل نهار، بناء وأثاث يشبه فنادق الدرجة الأولى، أدوات التعقيم منتشرة في كل مكان، تجهيزات طبية عالية المستوى، عمال نظافة يدققون في تنظيف زوايا لا تكاد ترى، في داخل المبنى مسجداً يشعرك أنه مسجد مستقل ولا يوحي للداخل أنه ضمن مستشفى، منطقة للعب الأطفال تعزل أصواتهم بالكامل، المستشفى يسير بنظام دقيق جداً وهو صرح طبي يضاهي أرقى الصروح الطبية العالمية، وحق لأهل البحرين أن يفخروا به.
ليس ذلك من قبيل المدح، ولكننا لسنا كالذباب لا يقع إلا على الجرح، فمن حق من ينجز أن يشاد به وبإنجازه، كما يجب علينا انتقاد المقصر، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله، فشكراً للقائمين على المستشفى وشكراً لطاقمه.
بقلم: د. فراس الزوبعي