مع أن الكذب صفة مذمومة في جميع الشرائع؛ بل حتى عند أهل الجاهلية قبل الإسلام والتي كان الأشراف والسادة فيها تأبى نفوسهم التقرب منه، إلا أن له فنوناً ورجالاً، ومن لم يأخذ بقواعده افتضح أمره من أول لحظة.
لم يترك أعداء البحرين أي فرصة أو مناسبة إلا واستغلوها لتصويب سهام كذبهم وافترائهم على بلد احتضنهم ومنحهم شرف الانتماء إليه دون أن ينظر إلى دينهم وعقيدتهم، شرف لا يستحقه من خان هذا البلد وراح يطعنه بكل ما وقع بيده من أدوات محاولاً تشويه صورته وقلب حقائق واقعه، ولعل آخر مناسبة استغلها هؤلاء كانت مؤتمر حوار الحضارات والثقافات الذي نظمته مملكة البحرين ودعت له عدداً كبيراً من المثقفين والمختصين في الديانات من ملل مختلفة، شهدوا للبحرين بالتسامح وقبول الآخر، إلا أن من ناصب البحرين العداء أنكر على المجتمعين أنهم لم يتطرقوا في بيانهم إلى الاضطهاد الديني الذي يدعيه زوراً وبهتاناً من داخل البحرين ومن على منبر خطبته في الجمعة قبل الماضية، وراح ينشر الأكاذيب فيها ويوجه كلامه للمشاركين في المؤتمر وقد تفرقوا وذهب كل منهم إلى بلده، وكان فن الكذب المعتمد هو ذلك الفن التقليدي الذي يستخدمه هو ومن على شاكلته مع السذج والبسطاء في خطابهم المتكرر لشحنهم.
طريقة الكذب في ادعاء الاضطهاد الطائفي لم تكن مناسبة مع طبيعة الأشخاص الذين وجهت لهم الرسالة فكلهم من المثقفين المطلعين على أحوال العالم والبحرين، حيث إن المتحدث قال إن رسالة المجلس العلمائي إلى المشاركين في المؤتمر هي رسالتنا وفكرها فكرنا وهذا ما عليه طرح مساجدنا وجمعياتنا، مدعياً أن اللغة التي يستخدمها هو ومن على شاكلته من المنابر هي لغة حب وسلام وحوار وتفاهم بعيداً عن الروح العدائية والجدل العقيم، متهماً السلطة في البحرين بممارسة الاضطهاد الديني تجاههم، وليته سكت عند هذا الحد فالانفعال أخذه وراح يؤكد أن كلامه موثق ومن لم يصدقه ما عليه إلا الرجوع إلى التسجيلات الصوتية لمناسبات وأماكن عدة، أما المتابع فإذا ما رجع إلى التسجيلات المذكورة وللمتحدث لا لغيره فسيجد أولها التسجيل الذي يصرخ فيه بقوله: «اسحقوووووهم» حقاً إنها لغة محبة وسلام!، لقد أفسدت هذه الكلمة على الرجل كذبه وفضحته، وكان عليه تذكر كلامه القديم قبل أن يصدر غيره فهناك مثل لاتيني يقول: «على الكذاب الاحتفاظ بذاكرة جيدة»، ومن شواهد الاضطهاد التي ذكرها إغلاق المجلس العلمائي ذاكراً أنه مؤسسة تعلم أولادنا لا أولاد غيرنا، لكنه لم يذكر لهم ماذا تعلمهم، ولم يذكر لهم أن حرق الشوارع وإلقاء المولوتوف من مخرجات هذا التعليم، ولم يذكر لهم أن دور العبادة والمآتم الخاصة بهم أصبحت في البحرين أكثر من البرادات.
قضية الاضطهاد الديني في البحرين كذب مفضوح ولا يحتاج إلى مزيد أدلة، ولن يصدقه إلا من أراد تصديق الأكاذيب، فالروس يقولون: «في مستنقع الأكاذيب لا تسبح سوى الأسماك الميتة».
بقلم: د. فراس الزوبعي