لأول مرة يجتمع العرب السنــة في العراق تحــت سقف واحد وبرعاية عربية ليوحدوا أهدافهم ويتجاوزوا خلافاتهم بعد سنوات طويلة من التشرذم والظلم، وكغيره من المؤتمرات الكبيرة والحساسة فقد تعرض لضغوط دولية ومر بمخاض حتى خرج بنتائج متفق عليها.
لاشك أن ما يجري في العراق من أحداث كبيرة أمر يعني محيطه ومنطقة الخليج بالكامل، ولولا هذه الأحداث وانعكاساتها المستقبلية لما التفت إليه أحد، على الرغم من عملية الإبادة الجارية فيه منذ سنين طويلة، وقد كان السبق في هذا للمملكة الأردنية الهاشمية التي رعت يوم الأربعاء الماضي مؤتمراً حمل عنوان «مؤتمر عمان التمهيدي لثوار العراق»، وقد جمع فصائل المقاومة وشيوخ العشائر وشخصيات من المجتمع وقوى وطنية وكل من يمثل القوى الفاعلة على الأرض، مستبعداً السياسيين في رسالة واضحة للعالم مفادها أن المشاركين السنة في حكومة المالكي لا يمثلون جمهورهم، وبهذا لفت أنظار العالم نحوه، وقد كان الرهان الحقيقي لإنجاح المؤتمر يتمثل في المحافظة على عدم انسحاب أي طرف من الأطراف مهما كان حجمه وقد نجح في ذلك.
هناك ملاحظات على ما دار في هذا المؤتمر؛ بعضها سلبية وأخرى إيجابية، من السلبيات أن بيانه الختامي لم يركز على الهوية العربية السنية التي يمثلها المشاركون، مع أن الإبادة في العراق تجري على أساس هذه الهوية ولأجل ذلك اجتمعوا، وسبب هذا الخلل بعض الأطراف المشاركة التي ترفض الاعتزاز بهويتها، وكان الأجدر الحديث عنها بصراحة ولا تنقل المؤتمر إلى حيز الإجراءات العملية فوراً، أيضاً يبدو أن ضغوطاً دولية مورست للحيلولة دون مخرجات قوية وفاعلة.
مع ذلك كانت الإيجابيات كثيرة؛ فقد نجح المؤتمر في جمع 300 شخصية يمثلون العرب السنة بكل توجهاتهم، وفتـح باباً مغلقاً لأكثر من 11 سنــة، وبذلك يكون خطوة مهمة باتجاه استعادة حقوق العرب السنة، كما إن المشاركين اتفقوا على أمور أهمها؛ التأكيد على وحدة العراق والسعي للحصول على التأييد العربي للثوار ورفض الاقتتال السني – السني، ومطالبة المجتمع الدولي بإيقاف كل أشكال الدعم لحكومة المالكي التي تعمل على الإبادة والتهجير، إضافة إلى مطالبة العالم بدعم المهجرين الذين يعيشون كارثة إنسانية، وتوافق المشاركون على عقد مؤتمر عاجل وموسع.
البيان الختامي حمل ألفاظاً دبلوماسية مقبولة للفت أنظار المجتمع الدولي إلى اجتماع العرب السنة لأول مرة وتوافقهم، وما أضفى عليه القوة طبيعة الشخص الذي تولى قراءته وهو الدكتور أحمد الدباش، الذي يمثل أحد فصائل المقاومة، وفي الوقت ذاته هو أحد شيوخ القبائل الكبيرة، ومما لاشك فيه أن المؤتمر سيعقبه آخر يخرج قيادة حقيقية تمثل العرب السنة وتنهي حالة الانقسام والتشرذم بعيداً عن المزايدات، فالوضع في العراق ومحيطه لن يتغير بدون ذلك ولن يحتمل التأخير أكثر من ذلك.
بقلم: د. فراس الزوبعي