نعم عزيزي القارئ، العنوان صحيح كما قرأت، يحصل ذلك ويتكرر في أفريقيا، بينما في أماكن أخرى من العالم لا يوجد من يقلب الأوراق التي بين دفتيه، فأصبح المسلمون بين مصحف يئن وآخر يؤن عليه.
معلومات بسيطة ربما تكون خافية على الكثير لكنها في غاية الأهمية، والسبب أن كثيراً من المسلمين ينظرون لأفريقيا على أنها قطعة الأرض الواسعة الملحقة بحديقة العالم الخلفية، فلا يتتبعون أخبارها ولا يشغلهم حال ساكنيها، مع أن الغرب يعرف أهمية هذه البقعة من العالم ويعمل عليها سنين طويلة، القارة السمراء الغنية بالذهب والمعادن غنية أيضاً بالمسلمين، فعددهم الذي جاوز 1.6 مليار في العالم يتواجد أكثر من ربعهم في هذه القارة حيث أكثر من 450 مليون مسلم، بمعنى آخر أكثر من ربع موارد المسلمين البشرية تتركز في هذه البقعة وتنقصهم أمور كثيرة لكنها لا تشغلهم قدر ما يشغلهم تعلم القرآن الذي يفتقدون أهم وسائله وهو المصحف، فوصل بهم الحال في أماكن كثيرة إلى إيجاره ممن يملكه لتقر به أعينهم، كما وصل بهم الحال إلى تقطيع المصحف إلى ملازم يتبادلونها فيما بينهم حتى يكملوا قراءته، في تلك القارة بشر أقصى أمنياتهم الحصول على نسخة من القرآن.
تصل المصاحف إلى أفريقيا على شكل هبات من مختلف دول العالم الإسلامي والنسبة الأكبر لدول الخليج العربي ولكنها لا تغطي الاحتياج فالعالم الإسلامي يعتمد في طباعة المصحف على أربع مطابع ضخمة مجموع ما طبعته خلال ثلاثين سنة نصف مليار مصحف فقط، إحدى هذه المطابع في السودان وهي دار مصحف أفريقيا الذي استمد خبرته من تجربة مجمع الملك فهد، وقد تأسست هذه الدار سنة 1994 وافتتحت سنة 2001 وقصة فكرة تأسيسه تستحق الوقوف عندها قليلاً فبعدما انقطعت آلاف المصاحف التي كانت تصل جامعة أفريقيا العالمية بالحاويات الضخمة لتوزع على الخريجين كل عام، فكر القائمون على الموضوع بالتوجه إلى السفارة الإيرانية وتقديم طلب بتزويدهم بالمصاحف وقد استقبلوا استقبالاً حافلاً ووعدوا بأن المدد سيصلهم قريباً، وبالفعل بعد أيام وصل السفير الإيراني إلى مقر الجامعة حاملاً بيده ثلاثة مصاحف فقط! عندها قرروا الاعتماد على أنفسهم وشرعوا بتأسيس دار المصحف في أفريقيا التي كان أكبر الداعمين لها في الخليج الكويت وقطر التي زودتها بمطبعة قيمتها 850 ألف يورو والبحرين التي تكفلت بطباعة 800 ألف مصحف على أربع دفعات، وقد انتجت الدار 6 مليون نسخة مصحف وأجزاء قرآنية لكنها لا تغطي سوى 5% من الحاجة الفعلية لأفريقيا، مع العلم أن المطبعة تعمل 24 ساعة متواصلة وكلفة المصحف دينار واحد فقط.
وفرة المصاحف في بيوتنا نعمة لا يقدرها كثير من الناس، المصاحف في بيوتنا تئن لعدم وجود من يقرؤها، وهناك أناس يئنون لفقدانها.
بقلم: د. فراس الزوبعي