ماذا عن مبدأ الحماية؟

أبشع جرائم الإبادة والإرهاب المنظم في العصر الحديث تلك التي أعقبت الاحتجاجات السلمية في العراق وسوريا، وهي كافية ليفعل المجتمع الدولي مبدأ مسؤولية الحماية في كلا البلدين؟
في قمة تاريخية لقادة العالم سنة 2005 أقرت الأمم المتحدة «مبدأ مسؤولية الحماية» ليكون معياراً واضحاً في القانون الدولي وتقدماً في طريقة تعامله مع الجرائم ضد الإنسانية، هذا المبدأ وصفه الأمين العام للأمم المتحدة بثلاث قواعد: الأولى تتحمل كل دولة مسؤولية حماية السكان من الإبادة والتطهير وجرائم الحرب والإنسانية والتحريض على كل ذلك، والثانية يتحمل المجتمع الدولي مسؤولية مساعدة الدول في تأدية واجباتها الواردة في الفقرة الأولى، والثالثة إذا فشلت الدولة في حماية شعبها فالمجتمع الدولي يتحمل مسؤولية التعامل الفوري مستخدماً الفصول 6 و7 و8 من ميثاق الأمم المتحدة، ويلجأ لإجراءات تصل إلى عقد تحالفات دولية والتدخل العسكري لإيقاف الانتهاكات الخطيرة دون موافقة مسبقة من مجلس الأمن، وذلك يعني:
1ـ تفقد الدولة سيادتها عندما تفشل في حماية السكان من جرائم الإبادة والتطهير.
2ـ للمجتمع الدولي حق التدخل في أي دولة يتعرض سكانها لعمليات إبادة وجرائم ضد الإنسانية دون الحاجة إلى قرار مجلس الأمن.
3ـ يصل التدخل إلى استخدام القوة لحماية المدنيين أو إقامة مناطق آمنة أو مناطق حظر الطيران.
ومن الأمثلة القريبة التدخل العسكري بليبيا بعد فشلها في تحمل مسؤوليتها في حماية شعبها، والتدخل في كوسوفو سنة 1999 دون قرار بدافع الحفاظ على الأمن والسلم العالميين، وعليه فإن الإطار القانوني لوقف عمليات الإبادة الجماعية والتطهير الطائفي والجرائم ضد الإنسانية متوفر.
وفي حالتي العراق وسوريا فهناك عشرات آلاف القتلى وملايين المهجرين، وتدمير كامل للبنى التحتية، جرائم إبادة جماعية وتطهير طائفي، وكلاهما يشكل خطراً على الأمن والسلم العالميين ومأساة إنسانية داخل وخارج حدود البلدين، والوضع في البلدين يحقق معايير تدخل المجتمع الدولي دون إذن من مجلس الأمن، وعند تطبيق قواعد المبدأ الثلاث نجد الآتي:
1ـ لم يتحمل النظامان المسؤولية تجاه السكان في حمايتهم، بل راح كل نظام يمارس الإبادة والتطهير الطائفي ويرتكب جرائم الحرب ويحرض عليها ويرعى الميليشيات.
2ـ بعد هذا الفشل في حماية السكان أصبح لزاماً على المجتمع الدولي التدخل.
3ـ لا يمكن أن تتقدم هذه الأنظمة إلى المجتمع الدولي بطلب التدخل لذا فعليه أن يبادر هو، وأقل ما يمكن فعله هو فرض منطقة حظر جوي لحماية المدنيين من الطائرات التي تلقي عليهم البراميل المتفجرة ليل نهار وتفتك بالأبرياء من الأطفال والعزل، وقد حصل ذلك عام 1991 عندما فرضت على العراق مناطق حظر جوي من بريطانيا وفرنسا وأمريكا دون اللجوء لمجلس الأمن، أما التذرع باحترام السيادة فما هو إلا تنصل من الالتزامات التي يلقيها هذا المبدأ على عاتق المجتمع الدولي.
فرض مناطق آمنة بالإضافة إلى مناطق حظر على الطيران لحماية السكان في العراق وسوريا أبسط فعل لمواجهة الكارثة الإنسانية الحاصلة وعلى المجتمع الدولي تحمل مسؤولياته الأخلاقية ولا يتعامل بسياسة الكيل بمكياليـن.

بقلم: د. فراس الزوبعي