الملكية وسيارة الملك فيصل

بعد سنوات طويلة من ابتلاع بعض الدول العربية للطبخة السريعة التي قدمتها لهم الدول الغربية والتي عرفت بالجمهوريات، لم تتمكن من هضمها أو تقيئها ومازالت تعاني ألمها إلى يومنا، ولسان حال شعوبها الترحم على الأيام التي سبقت تلك الأكلة يوم كانت دولتهم ملكية.
لست من دعاة الملكية أو الجمهورية لكني مع أي نظام يحقق الأمن والاستقرار والعدل لشعبه، وإذا ما نظرنا إلى واقع دولنا العربية وحتى الأجنبية التي أسقط نظامها الملكي واستبدل بآخر جمهوري عبر انقلاب عسكري، نكاد نجد اتفاقاً بين شعوبها على أنهم لم يجنوا من التغيير إلا التخلف والفقر والفوضى، والعهد الملكي الذي وصفوه يوماً ما بالبائد صاروا يترحمون على أيامه، ذلك أن كرامة الإنسان كانت مصانة لا تنتهك، وكل القمع الذي وصفت به الأنظمة الملكية لا يعد شيئاً أمام حمام الدم الذي دخلته دولها بعد الانقلاب تحت عنوان صيانة الثورة.
على صعيد التنمية الحقيقية لهذه الدول فكانت أفضلها في أيام حكمها الملكي، ومع ذلك توصف بالرجعية ويوصف النظام الجمهوري بالتقدمي مع أن الواقع معكوس تماماً، أما جانب الفساد الذي اتهمت به الأنظمة الملكية فقد بينت مؤشرات الفساد في العالم أن أقل الدول نسبة في الفساد هي الدول الملكية، في هذا السياق يروى أن الملك فيصل الثاني «رحمه الله» قدم طلباً للحكومة العراقية لتشتري له سيارة جديدة، إلا أن الحكومة لم توافق لأن الموازنة أقرت ولا مجال لتغييرها وعليه الانتظار إلى العام المقبل.
وذات يوم رأى الملك السيارة التي أعجبته في أحد شوارع بغداد، فأوقف سيارته وترجل منها وأخذ ينظر لها بإعجاب، فأسرع إليه صاحب السيارة وتمنى عليه أن يقبلها هدية فشكره الملك وقال له إن الحكومة وعدته بشراء السيارة في العام القادم وهو يثق بوعدها، هذا الاحترام للقوانين وللديمقراطية تم الانقلاب عليه وهو نموذج لكثير من الدول.
لكل نظام سلبيات وإيجابيات وليست كل الدول ذات النظام الجمهوري دولاً ديمقراطية كما إنه ليست كل الملكيات ديكتاتورية، والنظام الجمهوري وإن نجح في بعض الدول المتقدمة إلا أنه أثبت فشلاً ذريعاً في الدول النامية التي انقلب جيشها على نظامها الملكي وأبدله بديكتاتوريات تغلفت بالديمقراطية، ومن خلال الواقع المشاهد نجد أن النظام الملكي هو الأصلح والأعرق لأنه يرتبط مع الشعب بعلاقة إرث، أما النظام الجمهوري فعلاقته بالشعب وليدة تبدأ بالبيان رقم «1» وتنتهي بالسجون والفقر، وفي النهاية يتضح أنه نظام جمهوري ملكي يصادر البلد لحساب الرئيس وعائلته «واللي يعز عليهم» حتى يأتي انقلاب آخر يطيح به وهكذا، عندما أتكلم هنا عن النظام الملكي فلا أتكلم عن ملك يحكم إنما أتكلم عن حال الملكية في العالم العربي والغربي، لأن عصر الجمهوريات خلص إلى الفشل.
تبقى الأنظمة الملكية رمزاً لشعوبها ومن الممكن أن تكون رمزاً للأمة وهي ليست بالضد من النظام الديمقراطي، كما إنها صمام أمام لكثير من الدول ذات التركيبة القبلية.

بقلم: د. فراس الزوزبعي