اجتماع سري نتج عنه اتفاق سري غير وجه الحياة في منطقة الشرق الأوسط.
كان ذلك قبل مائة سنة تقريباً عندما سافر جورج بيكو المندوب السامي الفرنسي من لبنان إلى القاهرة، سفرة لم تكن كغيرها من السفرات فالرجل ذهب في مهمة سرية مفاوضاً الحكومة البريطانية حول مستقبل الدول العربية المحتلة من قبلهم، وبتاريخ 16 مايو 1916 اجتمع بالسير مارك سايكس المندوب السامي البريطاني في مصر، اجتماعاً سرياً كان عرابه والمشرف عليه سازانوف مندوب القيصرية الروسية وقد توصل الجميع لاتفاقية عرفت فيما بعد باتفاقية القاهرة السرية، توجه بعدها الثلاثة إلى مدينة سان بطرسبرغ الروسية ليكملوا اتفاقهم، واتفقوا على إبقائه سراً حتى تنضج الظروف إلا أن سقوط روسيا بيد الشيوعيين في أكتوبر سنة 1917 فضح تلك الاتفاقية عندما عثروا عليها ونشروها، تلك هي اتفاقية سايكس بيكو التي تقاسم الغرب فيها أملاك الدولة العثمانية وتكونت بسببها الدول العربية اليوم.
المنطقة العربية وقتها كانت تعاني من فوضى وضعف شديد في القيادة المتمثلة بالدولة العثمانية آنذاك فكانت النتيجة كما أرادها الغرب، ذلك المنعطف التاريخي الذي مرت به المنطقة يتكرر اليوم وبظروف مشابهة جداً للظروف السابقة فالمنطقة التي تقاسموها فيما بينهم تعاني اليوم من الفوضى وحكومات لا تسيطر على أراضيها كما في العراق وسوريا ولبنان واليمن مع وجود متغير جديد وهو أن شعوب هذه الدول التي كانت متعايشة قبل مائة سنة لم تعد كذلك اليوم.
لو أخذنا العراق كمثال حي لوجدنا أنه يتجه نحو التقسيم بل هو مقسم فعلياً إلى ثلاثة أقسام متناحرة «سنة وشيعة وكرد»، هذا التقسيم جاء نتيجة طبيعية لتغيير أصاب المجتمع العراقي بعد العام 1991 فالشيعة أصبح ولاؤهم للطائفة، والأكراد السنة ولاؤهم للقومية، أما العرب السنة فكان أغلبهم أسير خارطة سايكس بيكو واقعاً تحت تأثير الثقافة الوطنية وباتت الخارطة التي وضعت في ذلك الاجتماع السري مقدسة لديهم، لكن اليوم تغير الوضع فلم يعد العرب السنة قادرين على الحفاظ على الضروريات والتي أولها حفظ النفس والدين وكذلك المال والعرض، ولعل في هجوم الميليشيات على مسجد يوم الجمعة الماضية وقتل أكثر من 70 مصلياً خير شاهد، لكن هناك فرصة للحفاظ على خارطة العراق من التقسيم وبقائه دولة واحدة، وهي اللجوء لنظام الأقاليم الفيدرالية الذي يسمح لكل قسم بإدارة شؤونه وهذا حاصل مع الأكراد حالياً، وبغير هذا النظام فإن العراق سيقسم إلى دويلات لا محالة.
فهل سيتمكن العرب السنة في العراق من التعامل مع التحولات القادمة بحنكة ويتمكنون من إيقاف سيل دمائهم وتجاوز التقسيم أم سيكون التخبط والتشرذم سيد الموقف وينشغلوا بتبادل الاتهامات والتخوين فيما بينهم؟
– خاطرة..
يقول أحد الحكماء الحب والعاطفة والوطنية لا تعني شيئاً لمن يموتون جوعاً.
فما تراه سيقول عن الذين يموتون على يد الميليشيات بسبب انتمائهم
بقلم: د. فراس الزوبعي