من المصائب التي حلت بنا أن كثيراً منا يسلك سلوكاً ويأتي بأفعال وهو لا يدري لماذا فعلها.
مثل صاحبنا «راعي التكسي» عندما ركب معه أربعة شبان أو قل أربعة شياطين، كانوا قد قرروا عدم دفع الأجرة له، وقريباً من مكان الوصول توقف السائق في الإشارة الحمراء، فاندفع الأربعة من كل الأبواب وانطلقوا مسرعين كل اثنين منهم في اتجاه «خطة خبيثة لتشتيت انتباه السائق» وبعد ركضة سريعة أفقدتهم التركيز صعد اثنان منهم سلم عمارة مهجورة لا نور فيها واستقرا في الطابق العلوي، وبعد استراحة قصيرة ضحك أحدهم قائلاً لصديقه «لو بس أعرف السايق اشصار بحاله ألحين» فأجابه الثاني «أنا السائق بس فهمني هو اشصاير وليش ركضنا!»، طلع صاحبنا بطل العالم بالهزيمة وطار مع الذين طاروا ولا يعرف لماذا.
أما مناسبة هذه القصة فلا تتعلق فقط بما انتشر في الأيام الماضية من مقاطع فيديو على مواقع الإنترنت والتواصل الاجتماعي لشباب وشابات يمسك كل منهم بدلو الماء البارد ومكعبات الثلج ليأخذ «دوش» أمام خلق الله ويتبعها بضحكة رقيعة، ثم يطلب من أصدقائه فعل الشيء ذاته، وهو لا يعرف لماذا فعل ذلك أو يعرف أصل الحركة لكن ما يهمه هو تقليدها فقط، فالحركة فعلها مشاهير أجانب لقضية تتعلق بطريقة لجمع تبرعات لصالح جمعية طبية تعنى بأمراض التصلب العضلي، ابتكرت طريقة للتبرع تجعل المتبرع يشعر بشعور مريض التصلب العضلي.
أما جماعتنا «فالسالفة عندهم جمع لايكات على الفيس بوك»، وكما قلت لكم قصة راعي التكسي لا تتعلق فقط بموضوع دلو الماء، لأن الغربيين توسعوا في الموضوع فقد ظهر مؤخراً النجم الهوليودي «مات ديمون» وهو يمسك بدلو من مياه المراحيض «أعزكم الله» ويسكبه على نفسه بدلاً من استخدامه مياهاً طبيعية في إطار دعمه لجمعية خيرية تعنى بالمياه النظيفة، «ويا خوفنا على الشباب عندنا يمشون وراه ويقلدوه»، هذا بالإضافة إلى حركة مماثلة انتشرت اليومين الماضيين ولم تصلنا بعد يمسك فيها الشخص بكريمة الكيك أو معجون الحلاقة ويلطم وجهه بها ليجمع تبرعات لجمعية تعنى ببحوث الوقاية من الانتحار.
تقليد أعمى تتراجع بسببه أمتنا أمام الأمم الأخرى وتضمحل، أيصعب علينا أن نكون أصلاء وأن نشارك الأمم الأخرى التقدم الحضاري، ألسنا نعاني من مصائب في العراق وسوريا وفلسطين تحتاج لابتكار طرق نجمع لهم من خلالها التبرعات، أم ليس أمامنا إلا اتباع الأمم الأخرى شبراً شبراً وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب تبعناهم كما وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع العلم أن جحر الضب يجمع بين القذارة والضيق ولا شيء يغري لدخوله إلا لأن الغرب دخلوه.
للابتكار والأصالة طعم لا يدركه إلا صاحبهما، وكل ما نحتاجه لنحققهما ثقافة الاعتزاز بهويتنا، وأن نفكر وأن لا نكون كراعي التكسي.
بقلم: د. فراس الزوبعي