هذا ما خلفته إيران وراءها

سنوات طويلة من العمل الدؤوب لإيران في السودان خلفت تركة ثقيلة وتحديات تواجه السودان بعد إغلاق ملحقية إيران الثقافية في الخرطوم، تغلغل كبير بوجوه متعددة.
لقد توزع عمل إيران في السودان إلى جوانب رئيسة وحيوية وهذه الجوانب هي الثقافة الدينية والاقتصاد والسياسة، أما الجانب الثقافي الديني فتمثل بتقديم إيران منحاً دراسية لطلاب سودانيين في إيران انتهت بتشييعهم، وكذلك استدراج الكتاب والصحافيين من خلال تقديم الوظائف لهم في السفارة والمراكز التابعة لها ليتحولوا إلى أبواق لها وعلى خطها الديني، واجتماعياً حرصت على إقامة مراسم العزاء والاحتفالات الدينية التي تعتمدها إيران وعددها أكثر من عطل نهاية الأسبوع لتجعل منها فرصة لتوجيه الدعوات لأتباع الطرق الصوفية لزيارة إيران ومن ثم فتح علاقات معهم ليعملوا لصالحها، وفي الجانب نفسه أنشأت مراكز ثقافية في مدينتي الخرطوم وأم درمان، بالإضافة إلى ست مكتبات عامة جهزتها بما ترتضيه من المطبوعات، كما أسست خمس مدارس ومعاهد دينية في مناطق مختلفة بالإضافة إلى ثمانِ منظمات وروابط ظاهرها ثقافي ومجتمعي وعملها ديني.
أما الجانب الاقتصادي فقد اختارت إيران قطاع الطاقة وهي لاعب قوي في استخراج والتنقيب عن النفط والغاز في السودان وكل ما يتبع ذلك من نشاطات اقتصادية وشركات مثل شركة إيران غاز التي توظف آلاف السودانيين ولها فروع في أهم مناطق السودان، وهي شركة لا تعطي توكيلاً إلا لمن يتشيع من السودانيين أو يكون قريباً منهم، وأما الجانب السياسي فقد عملت على إنشاء المجلس الأعلى لشؤون أفريقيا الذي يهتم بقضايا المنطقة، بالإضافة إلى منظمات مجتمع مدني عدة تعمل لصالحها أما سفارتها فتعمل على إيجاد روابط قوية بينها وبين السودان بشكل مستمر.
مشاريع كبيرة ومتشعبة تجعلنا أمام دولة داخل دولة، حتى بعد إغلاق الملحقية الثقافية ووقف نشاطاتها يبقى تغلغل إيران في السودان كبيراً، فنحن أمام أنشطة كثير منها لا يتبع لنشاط الملحقية الثقافية ويرتبط بالاقتصاد والسياسة مباشرة ويمكن لإيران أن تتلاعب بها وتستخدمها ورقة ضغط على السودان المنهكة اقتصادياً، لاسيما وأن إيران تعمل وفق قاعدة الأهداف السياسية والاقتصادية في خدمة نشر التشيع، فإن تمكنت السودان من التضحية بعلاقاتها السياسية مع إيران فكيف ستصمد أمام العقبات الاقتصادية التي ربما ستظهر لها مستقبلاً، بالتأكيد هي بحاجة لحلفاء وشركاء معها للتخلص من هذه التركة الثقيلة التي هي بمثابة قنابل موقوتة نشرتها إيران في كل مكان، ولابد من بداية عربية جديدة مع السودان تملأ الفراغ.
التغلغل والنشاط الإيراني في السودان نموذج يتكرر في كثير من دول أفريقيا وهو أكبر في الدول العربية التي لها فيها أتباع، وهذه النشاطات ليست إلا أذرع إيران في الدول التي تستهدفها ولابد من التخلص منها أينما كانت.

بقلم: د. فراس الزوبعي