عندما أراد الملك فيصل الثاني -رحمه الله- الزواج بالأميرة فاضلة حفيدة آخر السلاطين العثمانيين من جهة أمها، وابنة حفيد محمد علي باشا قرر أن تكون هدية الزواج طقماً من اللؤلؤ البحريني ذائع الصيت، هدية تليق بمن ستصبح ملكة العراق.
وقتها اتصل الباشا نوري السعيد رئيس وزراء العراق بالتاجر البحريني المعروف أحمد بن يوسف فخرو، الذي كانت تربطه به وبعائلته علاقة صداقة وأخبره رغبة الملك، فأوكل الأخير المهمة لأخيه علي بن يوسف فخرو أحد أشهر التجار أيضاً، والذي ذهب بدوره إلى عائلة المديفع المعروفين بتجارة المجوهرات وأخذ منهم ثلاثة أطقم أرسلت للملك فيصل الثاني ليختار منها واحداً، في حينها كان سعر الطقم بحدود أربعين ألف روبية أي ما يعادل عشرة آلاف دولار أمريكي تقريباً، وبعد فترة قليلة أعاد الباشا نوري السعيد الأطقم الثلاثة إلى البحرين وأبلغ أحمد فخرو أن الملك أعجب بها إلا أن ميزانيته لا تتحمل قيمة أحدها وهو يعتذر عن شراء أحدها، كان ذلك في صيف 1958، يومها كان حاكم البحرين الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة الذي سمع بالموضوع فأرسل في طلب علي فخرو ليستعلم منه الموضوع، وبعد أن أخبره، قال له الشيخ سلمان رحمه الله خذوا أجملها وأرسلوه للملك هدية، لكن للأسف هدية البحرين وحاكمها لم تصل الملك الشاب، فقد سمعوا بعدها مباشرة بالانقلاب العسكري وبمقتل الملك وقلب نظام الحكم.
قصة ربما تكتب لأول مرة وتوثق لجانب من تاريخ العراق والبحرين، ومن خلالها تظهر طريقة التعامل التي بها ازدهرت الدول التي حكمتها الملكية، فترة عاشها العراق ملئت بالأمن والازدهار والتقدم، وهكذا هي الأنظمة الملكية اليوم كلها، تخطو نحو الأمام ولا تتراجع، حتى تلك التي خطواتها بطيئة إلا أنها في المحصلة تخطو وللأمام، أما الآمال التي داعبت الكثيرين وجعلتهم مؤيدين ومساهمين في اقتلاع الملكية ظناً منهم أنهم سيحققون العدالة، فقد تبخرت مع أول رصاصة للانقلاب وطار طائرها مع البيان رقم واحد، وبدلاً من حكم مستقر فيه صمام أمان للبلاد تحول الحاكم إلى مستبد متسلط أضاع المال والبلاد، ومع كل تغيير للحكومة هناك قتل واغتيالات وفوضى.
بعد فوات الأوان تنبه كثير من المخدوعين أن حكام الملكية التي كانوا يتهمونها بالرجعية هم أرحم بهم وأكثر رعاية لدينهم من غيرهم، وبدلاً من العلاقات الوطيدة بين الدول والتي صنعتها وأدامتها هذه الأنظمة، حلت علاقة التنافر والتشاحن والاتهامات، وبدلاً من تبادل الهدايا شاهدنا تصدير زوارق المتفجرات والأسلحة.
ربما لم يعد الحديث نافعاً بالنسبة للدول التي اقتلعت فيها الملكية وأصبحت من الماضي، لكن ليعلم شعوب الدول التي مازالت تعيش تحت ظل هذه الأنظمة أنهم في نعمة وخير وليعتبروا ممن سبقهم
بقلم: د. فراس الزوبعي