بعد أن قضى عشرين سنة في أقفاص الأسر الإيرانية المتجمدة على حدود الاتحاد السوفيتي السابق عاد ليروي قصص الأسر المؤلمة، لكن ما لم يفارق ذاكرتي قصة النهاية أو الدقائق الأخيرة التي رواها لي، فعندما توجه الأسرى إلى الحافلات وقف الضابط المسؤول عن الأقفاص وودع كل أسير منهم بضربة قوية بهراوة كانت بيده، لم يتحمل صاحبنا الموقف ليصرخ قائلاً: وصلنا هذه الأقفاص قبل عشرين سنة، يومها كنت ضابطاً صغيراً فكبرت حتى أصبحت اليوم المسؤول الأول وخلال هذه السنوات دأبت على تعذيبنا فشخنا وكبرت على ذلك، ألم تكل وتمل؟ يقول، اقترب مني وهمس بأذني: «كما أدخلتم الإسلام لنا بالقوة سنخرجه منكم بالقوة» كان ذلك الأسير أحد ضباط الجيش العراقي الذي وقع في الأسر عام 1982 وعاد في العام 2002.
لهذا السبب جاء الخميني وباقي ملالي إيران إلى السلطة بدعم وتدبير من الغرب، بعدما وجدوا فيهم النموذج المناسب للإسلام الذي يريدون سيطرته، ولهذا السبب حاربت إيران العراق، ولهذا أيضاً احتل العراق بعدما نجح في إيقاف إيران مكانها سنين عدة، فكان غزوه بمثابة فتح الطريق أمامها لتنطلق إلى باقي الدول وقد حدث، ثم تلته سوريا ثم مسلسل داعش، وصولاً إلى اليمن والحوثيين، وخلال كل ذلك لم يعد التحالف الأمريكي الإيراني سرا وأصبح اللعب على المكشوف لاسيما بعد اجتياح الحوثي لصنعاء وانتشار الميليشيات الشيعية في العراق في كل مكان، وأمريكا تجيش العالم لحرب الإرهاب وفي الوقت ذاته لا تضع هذه الميلشيات على قائمة المنظمات الإرهابية مع أنها كذلك، لا بل تطمئن لوجودها فهم شركاؤها في العراق، أما في اليمن فلأول مرة تنتشر ميليشيا مسلحة وتسطير على عاصمة والبعثات الدبلوماسية الغربية والأمريكية لا تطلب من رعاياها مغادرة البلاد أو حتى توخي الحذر، لم لا والحوثيون يمرون أمام السفارة الأمريكية يهتفون بالموت لأمريكا لكنهم متجهين لاقتحام جامعة الإيمان.
من خلال كل ذلك يتبين الآتي: أمريكا تنفذ مخططات تقوية إيران وأتباعها وتمددهم في المنطقة لإيجاد صراع مستقبلي سني شيعي طويل الأمد يستنزف الخيرات ويزيدنا ضعفاً، أما في حربها على الإرهاب فهي غير جادة بإعطاء العرب السنة في العراق دوراً مقابل إعادة حقوقهم فهي من سلبهم أولاً والسماح لهم باستعادة حقوقهم لا يتناسب والدور الإيراني، أما في اليمن فباحتلال صنعاء تكون إيران قد ضربت طوقاً على شبه جزيرة العرب وستتحرك داخل هذا الطوق بسرعة، وأخطر ما في الموضوع أننا نقبل على أيام عصيبة، فما جرى على العرب السنة في العراق سيجري في البلدان الأخرى إن لم تتخذ خطوات.
إيران اليوم في أقوى حالاتها وهي في حلف مع أمريكا وإسرائيل لتسيطر، ونحن في أضعف حالاتنا ونعيش أخطر أيامنا مع الفرس، إلا أنه من المؤكد أنه بإمكاننا صدها لكن بعيداً عن الغرب وأمريكا.
بقلم: د. فراس الزوبعي