الفيدرالية في العراق.. مرحلة ما بعد مشروع الكونغرس

كنت قد ذكرت في المقال السابق أن مشروع الكونغرس القاضي بالتعامل مع العرب السنة والأكراد كدولتين مستقلتين من حيث تسليحهما بشكل مباشر -فيما لو أقر- ليس المقصود منه الإسراع في تقسيم العراق كحل لمشاكله، وإنما القصد منه الضغط على الحكومة الشيعية في بغداد لتوقف دعمها للميليشيات الإرهابية، في الوقت نفسه لا يعني ذلك أن أمريكا لا تريد إقامة النظام الفيدرالي في العراق.
لكن متى وكيف سيكون شكله؟ وهل من يرفضه وطني ومن يقبله ليس كذلك؟
منذ بداية احتلال أمريكا للعراق وهي تريد إقامة النظام الفيدرالي فيه وكذلك الأحزاب الشيعية الحاكمة التي جاءت بهم، وهذا كان مطلبهم جميعاً من البداية حتى الدستور الذي كتبوه قائم على التقسيم، لكن أمريكا عندما رأت معارضة قوية من العرب السنة وحدهم لهذا المشروع اختارت أن تحول هذا الرفض إلى مطلب، لم تذهب إلى إقناع السنة وإنما أوجدت الظروف المؤدية إلى ذلك فسمحت للشيعة بالاستئثار بالسلطة، حتى وصلنا مرحلة أصبح فيها أغلب العرب السنة ضعفاء نازحين ومهجرين خارج أرضهم والميليشيات تحدث فيهم المجازر، وليس لهم مطلب سوى حفظ دمائهم وأعراضهم سواء بنظام فيدرالي أو حتى بتقسيم، ومع ذلك أمريكا لا تريد ذلك قبل التخلص من الميليشيات الشيعية، فلم تجد أفضل من أرض العرب السنة منطقة قتل لهم، فتنظيم الدولة الإسلامية «داعش» موجود والميليشيات تساق إلى هناك بالجملة ليعودوا بتوابيت، وسيستمر هذا الوضع حتى تضعف الميليشيات، بعد ذلك سيطرح مشروع الإقليم باعتباره منقذاً.
أما شكل هذا الإقليم فسيكون إقليماً ضعيفاً منزوع الدسم غارقاً في مشاكله الداخلية وصراعات على السيطرة على مقدراته ببنى تحتية محطمة، ولذلك أسباب كثيرة منها؛ أن أمريكا لا يمكن أن تسمح بتقوية من قاوموا احتلالها بالسلاح، وحتى دول الجوار لا تريد رؤية إقليم سني قوي بجوارها، بالإضافة إلى إقليم شيعي تتصارع الميليشيات على حكمه وتظهر فيه انقساماتهم على حقيقتها، فعلى الرغم من حكم إيران لهم لكن ثروات العراق مغرية لهذه العصابات أكثر من إيران، فتراهم الآن يعلنون عصيانهم وخروجهم على قادتهم أمثال العبادي.
بقيت مسألة رفض الإقليم من قبوله، بالنسبة للعرب السنة هو أمر خارج خياراتهم وإرادتهم وهم اليوم أضعف من أن يؤثروا في هذا الحدث، فإن حصل وتحقق في قابل الأيام فهذا يعني أنه لم يعد هناك خيار، وعندها على من يرفضه عدم تخوين الآخرين والمزايدة عليهم في الوطنية فهو ليس خيراً منهم وليسوا هم أقل وطنية منه، وقد قدموا كل ما يملكون للحفاظ على وحدة العراق طوال السنين الماضية، حتى وصل الحال إلى ضياع كرامتهم وأموالهم وبيوتهم وأبنائهم فلم يبق من معنى الوطنية شيء بضياع كل ذلك، وأما الأحزاب الشيعية فترفضه اليوم ليس لأنها وطنية لكن لأنها تحكم الكل وتمارس أحقادها التاريخية فكيف سيكون ذلك مع نظام الأقاليم.
ربما لو تعامل العرب السنة مع مشروع الإقليم عندما كانوا أقوياء لكان شكل الإقليم مختلفاً، أما اليوم فيفرض على منكوبين لا خيار لهم ومع ذلك يجدون فيه وقفاً لسفك دمائهم.

بقلم: د. فراس الزوبعي