في عام 1536 جرى أول تحالف في العالم على أسس غير أيديولوجية بين إمبراطوريتين مسلمة ومسيحية، كان ذلك بين ملك فرنسا فرانسوا الأول والسلطان العثماني سليمان القانوني، ومع أن هذا التحالف أحرج فرنسا أمام العالم المسيحي حتى وصفوه بالتحالف الأثيم؛ إلا أنه كان تحالفاً ناجحاً دام قرنين ونصف من الزمن وخدم مصالح الطرفين، وحتى بعد نهاية التحالف بقيت العلاقة بين الفرنسيين والمسلمين خاضعة للمصالح؛ ففي سنة 1890 فرغ الكاتب المسرحي أونري دي بورنييه من كتابة عمل درامي بعنوان «محمد» وكانت مسرحية تضمنت بعض فصولها إساءات للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، فلما وصل الخبر إلى السلطان عبدالحميد بعث برسالة لرئيس الجمهورية الفرنسية سادي كارنو سلمها له السفير العثماني بباريس صالح منير باشا، كانت كافية لمنع عرض المسرحية.
وفي التاريخ القريب كانت المصالح حاضرة في العلاقات مع الفرنسيين أيضاً؛ وذلك عندما أمم العراق شركة نفطه في 1/6/1972 وقع بعدها بـ48 يوماً اتفاقية مع فرنسا منحها بموجبها امتيازات أهمها أن تحصل على كميات النفط العراقية نفسها قبل التأميم ولمدة 10 سنوات بأسعار مناسبة، على أن تقدم فرنسا المساعدة الفنية للعراق لتنفيذ مشاريعه النفطية وتأمين استمرار الشركة الفرنسية في عملياتها في العراق، وبهذه الاتفاقية استطاع العراق إنجاح التأميم وتجاوز الأزمة وكانت اتفاقية خدمت مصالح الطرفين.
ومع تطور الأوضاع وتعقدها في المنطقة ووجود الحاجة إلى اتفاقيات وتحالفات، تكون فرنسا حاضرة مرة أخرى يقف خلفها تاريخ من العلاقات والاتفاقيات والتحالفات الناجحة مع المسلمين، وتكون دول الخليج العربي مستثمرة هذا الحضور بذكاء يخدم مصالح الطرفين، ولأهمية الموضوع دعوا الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند لحضور قمة مجلس التعاون الخليجي، فكانت المرة الأولى التي يحضر فيها رئيس غربي هكذا اجتماع منذ تأسيس المجلس عام 1981، أما الرئيس الفرنسي فكان واضحاً مركزاً على المصالح التي تريد دول مجلس التعاون تحقيقها، عندما قال إن بلاده لن تتردد في مساعدة دول مجلس التعاون الخليجي حتى لو تطلب ذلك عملاً عسكرياً، معتبراً التهديدات التي تواجه دول المجلس هي تهديدات تواجه باريس، كما شدد على ضرورة حظر التسليح على إيران، مبيناً حرصه على إقامة حلف قوي وموثق مع دول الخليج الست.
الاجتماع سبقه قمة قطرية فرنسية شهدت تقارباً سياسياً عسكرياً استراتيجياً تضمن صفقة تسليح بقيمة 6.3 مليار يورو من بين فقراتها شراء 24 طائرة رافال، كما أعقب الاجتماع قمة سعودية فرنسية تضمنت محاور سياسية اقتصادية، وهناك حديث عن 20 مشروعاً قيمتها عشرات مليارات اليورو في حال تمت الموافقة عليها كلها في قطاعات عسكرية ومدنية، كل ذلك يدل على أن هناك تحالفاً يلوح في الأفق مع فرنسا يبنى على مصالح استراتيجية مشتركة ويجعل المعادلة في المنطقة تميل لصالح دول الخليج، وتدخل فرنسا لاعباً مؤثراً في الأحداث.
بقلم: د. فراس الزوبعي