يبدو أن رجال نظام بشار الأسد متأثرون بالمسلسلات التركية التي تدبلج عندهم، لاسيما مسلسل وادي الذئاب الشهير، لدرجة أن تصريحاتهم تبنى على تخيلات لأحداث تقع على الأراضي السورية التي لا يستطيعون الوصول إليها أصلاً، فهذا فيصل المقداد نائب وزير خارجية نظام بشار الأسد يصف دخول أحمد داود أوغلو رئيس وزراء تركيا إلى الأراضي السورية قبل ثلاثة أيام لزيارة ضريح سليمان شاه جد مؤسس الدولة العثمانية عثمان الأول، بأنها كانت تسللاً، وكأنه يتحدث عن «مراد علمدار» بطل مسلسل وادي الذئاب وهو يدخل متسللاً إلى العراق وسوريا، ليس هذا مهماً؛ المهم لماذا جاءت الزيارة بهذا التوقيت.
بالتأكيد لم يكن الشوق هو دافع رئيس الوزراء التركي لزيارة ضريح سليمان شاه في وقت تعد فيه المناطق المحيطة بالضريح من أخطر مناطق العالم، فالقضية ليست عادية وهناك ما يستدعي المجازفة، قبل ذلك هناك بعض الحقائق يجب معرفتها؛ منها أن تركيا حرصت على ضريح سليمان شاه أشد الحرص، فعندما أصبح الضريح مهدداً بسبب قربه من مناطق سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» نقلته تركيا بعملية خاصة إلى ثكنة عسكرية داخل الأراضي التركية وهناك بقي 3 أشهر حتى أعادته إلى سوريا بموقع جديد يبعد 200 متر فقط عن الحدود التركية، والموقع الجديد يقع في قرية آشمة غرب مدينة كوباني «عين العرب» التي يسكنها الأكراد.
ومن الحقائق أيضاً أن الضريح يعد جزءاً من الأراضي التركية وإن كان داخل سوريا وذلك بموجب اتفاقية عقدتها تركيا مع فرنسا أيام الانتداب الفرنسي على سوريا عام 1921، وهذه الاتفاقية اعترفت بها كل الأنظمة في سوريا بما فيها نظام بشار الأسد، ومازال العلم التركي يرفع فوق الضريح حتى يومنا هذا.
أما زيارة أوغلو فلم تكن تسللاً لأنه دخل سوريا بموكب من العربات المدرعة وبحماية من مروحيات بقيت تحوم فوقه طيلة مدة الزيارة التي استغرقت 45 دقيقة، هذه الزيارة جاءت في توقيت مليء بالأحداث التي تخص الأكراد وهي رسالة لهم، ففي إيران اشتعلت انتفاضة كردية في مدينة مهاباد، وفي العراق ذهب مسعود البارزاني رئيس إقليم كردستان إلى أمريكا ومن هناك صرح بأن الدولة الكردية قادمة والقضية مسألة وقت فقط، أي أن هناك بوادر إقامة دولة كردية قد تلتحق بها أجزاء من خارج العراق، فجاءت زيارة أوغلو لتستبق الأحداث وتوجه رسالة لكل الأكراد وليس لأكراد سوريا وحدهم، مفادها أن تركيا لن تقبل بدولة كردية، وأن تركيا لا تعترف بالأكراد كسلطة، وما يدل على ذلك هو المكان الذي دخل منه أوغلو إلى الضريح فهو لم يدخل من معبر مرشد بينار الذي تسيطر عليه قوات حماية الشعب الكردية في الجانب السوري، ودخل من مكان آخر، كما أن الزيارة تؤكد على أن أرض الضريح مازالت تركية ولم يتغير شيء، رسالة أوصلها ضريح سليمان شاه.
بقلم: د. فراس الزوبعي