كثيراً ما نجحت أمريكا في تحقيق مصالحها عن طريق إدارة حروب لا تكون طرفاً مباشراً فيها، لم لا؟ طالما أن هناك أغبياء يبتلعون طعمها!
على مدى الأسابيع الماضية كانت الإدارة الأمريكية تنتقد الميليشيات الشيعية التي تحركها إيران في العراق وتعتبر التخلص من هذه الميليشيات ضرورة لا بد منها، وقد أرسلت بذلك رسائل إلى حكومة بغداد، لكن رئيس الوزراء العبادي بدل أن يتخذ خطوات للتخلص من هذه الميليشيات، أعلن أنها تعمل تحت مظلته الحكومية وترتبط مباشرة بمكتبه.
فجأة وبعد سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» على أغلب محافظة الأنبار، صرح البيت الأبيض يوم الثلاثاء الماضي بأنه لا يرى مشكلة في مشاركة ميليشيات شيعية في تحرير مدينة الرمادي طالما أن ذلك يتم بالاتفاق مع قيادات محافظة الأنبار، كما أنه يرى أن هذه الميليشيات تعكس تنوعا طائفيا ولا تقتصر على الشيعة.
فهل يعقل بعد كل الانتقادات التي وجهتها أمريكا لهذه الميليشيات المسماة بالحشد الشعبي تأتي اليوم وتنظر بعين الرضا على دخولها محافظة الأنبار، ثم عن أي تنوع تتحدث أمريكا والحشد عبارة عن قوات تتألف من أكثر من أربعين ميليشيا شيعية مرتبطة بإيران بشكل وآخر، إلا أن يكون حديثها هذا طعماً تريد لهذه الميليشيات ابتلاعه.
خصوصاً أن هذه التصريحات تزامنت مع كشف مسؤول في الخارجية الأمريكية عن نية أمريكا تسليم حكومة بغداد ألف صاروخ لمقاومة الدروع، وأن واشنطن ستساعد بغداد لاستعادة المدينة بأسرع وقت ممكن، في الوقت الذي لا تسلح فيه العرب السنة من أهل محافظة الأنبار نفسها، ومتأكدة من أن الحكومة العراقية لن تمدهم بأي سلاح، الواقع أن أمريكا تعرف جيداً العقلية التي تفكر بها الميليشيات والمنظومة الحاكمة في العراق ومن خلفهم إيران، وتعلم أن الطائفية والكراهية والحقد وحب الانتقام والقتل هي أمور تسيطر قراراتهم، وتعلم أن العبادي لا يملك جيشاً ليرسله للقتال وأن ما تبقى له من جيش في الأنبار فضلوا الهروب على مواجهة التنظيم وسينقل دفة قيادة العمليات في الأنبار إلى الميليشيات، وسيسيل لعاب هذه الميليشيات بعد تصريحات أمريكا التي ستكون دافعاً لسوق العبادي وميليشياته إلى الأنبار، وبهذا ستحدث فيهم المجازر بيد تنظيم الدولة الذي يقاتل بمهنية وقدرات تفوقهم، وتجعل ذلك سبيلاً للتخلص من هذه الميليشيات وتشغل التنظيم وتضعفه أيضاً، وتحقق بذلك أكثر من فائدة.
يبقى السؤال هنا هل ستبتلع الميليشيات هذا الطعم؟ ما يظهر لغاية الآن أنهم سيبتلعونه، يسوقهم غباؤهم ورغبتهم في تصفيات طائفية، لكن القرار النهائي بيد إيران التي لديها الرغبة ذاتها وستعمل على إمداد هذه الميليشيات بأعداد كبيرة من المقاتلين الإيرانيين، ولن تستطيع في النهاية القضاء على التنظيم لكنها ستتمكن من تدمير ما تبقى من المدينة
بقلم: د. فراس الزوبعي