أهم ما كشفته «سارة»

قبل أن تعرفوا ما كشفته «سارة»؛ تعرفوا على هذه القصة القصيرة من تاريخ العرب لأنها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بما فعلته.
كان هناك رجل من العرب يركب على فرسه في مكان منقطع، فمر برجل هزيل تقطعت به السبل في الصحراء وبدا عليه الجوع والعطش والتعب، فأشفق عليه ونزل عن ظهر فرسه وسقاه الماء ثم دعاه للركوب مكانه وأعانه، وما أن استوى الضعيف على ظهر الفرس حتى أظهر نواياه الخبيثة وانطلق بها مسرعاً وترك صاحبها الذي قدم له معروفاً في الصحراء، وقبل أن يغيب عن نظره ناداه.. يا هذا، فتوقف السارق قليلاً، وقال صاحب الفرس، هي لك هدية ولا تخبر الناس أنك سرقتها، فتعجب السارق وقال له، هل تخشى أن يلحقوا بك الخزي؟ قال لا ولكن حتى لا تضيع المروءة بين الناس وينقطع سبيل المعروف فلا يقف أحد لمحتاج أو عابر سبيل، فأراد الرجل ألا يظهر بين الناس المثل الشعبي المتداول اليوم «خير لا تسوي، شر ما يجييك».
«سارة» قضية تداولها الناس بشكل كبير خلال الأسبوع الماضي، فهي طفلة صغيرة مصابة بالسرطان لها حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي تنشر عليها صورها ومراحل علاجها، تعاطف الناس معها كثيراً بالمشاعر والدعاء والدعم المادي من خلال حساب بنكي خاص بها، لكن المفاجأة كانت عندما اكتشف المغردون على تويتر حقيقة سارة إبراهيم، فالحساب على مواقع التواصل الاجتماعي وهمي والصور التي تحتويه مسروقة وتعود لطفلة أمريكية اسمها «Esme» تعاني من مرض اسمه «Osteosarcoma»، وأن القضية ليست أكثر من عملية نصب واحتيال أدخلت آلاف الدولارات في جيب صاحبها، وبعد أن كان التعاطف معها يروج بوسم «#صديق_سارة» انتشر وسم ساخط ولاقى رواجاً أكبر من الأول بعنوان «#كذبة_سارة_إبراهيم».
لاشك أن عملية النصب هذه أمر مشين لكن كثيراً من الناس وللأسف تعامل معها على عكس ما تعامل به ذلك الأعرابي في القصة الأولى الذي قدم معروفاً لمخادع سارق لا يستحق، لكنه حاول عدم انتشار القصة حرصاً على المروءة وأن يستمر سبيل المعروف، أما الخيرون أصحابنا فنشروا ما تعرضوا له من خديعة أكثر مما نشروا دعمهم لها، ما يعطي نتيجة سلبية في المجتمع، لقد كشفت لنا «سارة» واقعاً رائعاً وهو أن الخير في هذه الأمة كبير وأن سبيل المعروف لم ينقطع منها، وأن المروءة والنخوة قائمة في مجتمعنا، والتكافل لايزال معلماً مميزاً من معالم ثقافتنا، كما كشفت لنا أن عالم التواصل الاجتماعي على الإنترنت يحتاج إلى تدقيق قبل اتخاذ المواقف.
فيا أهل الخير يا من تعاطفتم ودعمتم «سارة» لا تنزعجوا فقد ابتغيتم وجه الله، ولا تجعلوا سارة تمنعكم عن الاستمرار بفعل الخير فهناك الآلاف في المجتمع يحتاجون إليكم، اذهبوا إليهم حيث هم ولا تنتظروهم يأتونكم إلى «تويتر» و«فيسبوك».

بقلم: د. فراس الزوبعي