قبل مدة قصيرة جمعني لقاء بأحد رجالات العراق، وهو عالم ومفكر ومؤلف، وفي الوقت نفسه كان رجل دولة، تحدثنا عن التغيير الهائل الذي حل بالعراق وخصوصاً ذلك التغيير في الطبقة التي تسمى سياسية أو التي تقود العراق اليوم، فهي لا تتناسب أبداً مع تاريخ بلد مثله، ليس وحدهم فقط بل حتى الموظفون الجدد في دوائر الدولة ومؤسساتها، وحتى اجتماعياً تصدرت طبقة من المجتمع وبدأت تظهر في وسائل الإعلام من خلال البرامج التلفزيونية السياسية والاجتماعية، كل أولئك أعطوا انطباعاً لمن عرف العراق من قبل أنه يشاهد واقع بلد آخر.
ذكر لي الرجل أنه خلال زياراته لبعض الدول الأجنبية التقى بعدد من هؤلاء الذين يذهبون بغرض السياحة، فرأى منهم الشيء العجيب، فقاطعته مستدركاً، نعم هؤلاء من سرق البنوك ومؤسسات الدولة أثناء الغزو واغتنوا بعد ذلك، فقال لي لا.. هذه طبقة ظهرت في المجتمع لم نكن نعرفها أبداً.
فأين ذهب أهل العراق بناة الحضارات؟ وماذا حل برجال جعلوا للعراق وزناً في المحافل الدولية؟ وهل من فرصة لفعل شيء لهذا البلد وإحداث نوع من التوازن؟
الواقع أن القسم الأكبر من العراقيين الذين عملوا في دوائر الدولة ومؤسساتها قبل الاحتلال وكانوا رجال دولة أو حتى الذين لم تسمح لهم الظروف بالعمل لكنهم يصلحون لإدارة بلد هم اليوم خارج العراق وقسم قليل منهم بقي داخله لكنه اختفى من المشهد تماماً، والسبب أن كل أولئك رفضوا العمل مع حكومة ولدت من رحم أمريكي محتل للعراق وتربت في حضن إيراني غاصب، وبطبيعة الحال فإن القسم الذي احتضنته إيران حصل على الدعم الأمريكي معها، ومع ذلك وبعد مرور هذه السنوات بقي لا يصلح للقيادة وأصبح أضحوكة للعالم، لكنهم يمثلون جزءاً من الشعب أو على أقل تقدير رضي جزء من الشعب بتمثيلهم له، وبقي هناك جزء كبير يعاني من الظلم والإبادة وقبلها يعاني من أزمة قيادة فمن تصدر منه للمشاركة في هذه الحكومات ورضي بأن تكون نسبته هامشية لا تمثل حجمه الحقيقي كان أحد اثنين؛ إما أنه نفعي يعتبر مشاركته فرصة لجمع المال أو أنه يمثل حزباً وهؤلاء أخطر، فهم متآمرون على العراق تحركهم مصالحهم الشخصية والحزبية.
ومع هذا المشهد المعقد هناك فرصة لفعل شيء أو تقديم المساعدة ليفعلوا لأنفسهم شيئاً ويحدثوا نوعاً من التوازن أو يتخلصوا من الظلم ويوقفوا عمليات الإبادة بحقهم، وذلك بعد أن تخرج قيادة حقيقية تمثلهم ويكون رجالها رجال دولة بعيداً عن كل أولئك المشاركين في العملية السياسية الحالية، لكن هذا لن يحدث ما لم تلتزم دولة عربية أو أكثر من دولة هذا الموضوع، وتجمع الخبرات المتناثرة هنا وهناك قبل أن تنتهي، في عمل جاد لإخراج قيادة، فلوحدهم لا يمكن أن يجتمعوا أبداً، وجميع المؤتمرات التي حصلت برعاية دولية حتى اللحظة لم تكن جادة في دعم قيادة جديدة.
بقلم: د. فراس الزوبعي