مقاولة تفجير دور العبادة.. المقاول والعمال

واهم من يعتقد أن تفجير مسجد الصادق في دولة الكويت وقبله تفجيرات القديح والعنود في المملكة العربية السعودية، هي أحداث يمكن قراءتها بشكل مستقل عما يحصل في العراق وسوريا ولبنان واليمن وليبيا وتونس، وأيضا قراءتها من خلال النظر إلى جهة تنفيذها وحدها وهي تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» التي أعلنت عن مسؤوليتها، خطأ آخر لن يقودنا إلى إجراءات توقف تكرار مثل هذه الأعمال الإجرامية في المستقبل.
هذا النوع من العمليات قد تكون وليدة في دول الخليج العربي لم يتجاوز عمرها الأسابيع القليلة، لكنها وعلى حدود هذه الدول وفي العراق تحديداً ولدت منذ زمن وكبرت حتى جاوز عمرها عشر سنين وبصورة أبشع وخسائر مضاعفة، وشملت مساجد للسنة وأخرى للشيعة، لذا فلابد من قراءة الموضوع قراءة صحيحة؛ تفجيرات الصادق والعنود والقديح ليست أعمالاً انتقامية عابرة أو تخبط لتنظيم إرهابي، إنما هي أعمال مخطط لها بدقة وتسير ضمن مشروع إغراق المنطقة في الفوضى الهدامة، وهو مشروع كبير نفذت أمريكا بنفسها أجزاء منه وأعطت إيران «مقاولة» تنفيذ جزء آخر، و«داعش» ليسوا أكثر من «عمال» في هذه المقاولة، وهناك عمال آخرون يفوقون أفراد هذا التنظيم في العدد والدعم وهم مجموع الميليشيات المرتبطة بإيران في العراق وكل دول المنطقة المستهدفة.
هذه «المقاولة» تقوم على أساس إثارة الشيعة في دول الخليج العربي، وهي قديمة لكن أسلوب التفجيرات جديد فيها، كما أنها ورقة تلعب بها إيران على حساب شيعة المنطقة، وهي أحداث لا تخسر فيها إيران أي شيء؛ فالقاتل والمقتول من العرب، وبالنسبة لها ستحقق مزيداً من النفوذ في هذه المناطق، ليس هذا كلاماً خيالياً، فهناك حدود بين العراق وإيران يبلغ طولها 1200 كيلو متر واختراقها أسهل بكثير من اختراق الكويت والسعودية، فلماذا لم يذهب تنظيم «داعش» هناك ولو مرة واحدة ويفجر، بما أنه يفجر لأسباب دينية كما يدعي؟ تفجير الصادق وما سبقه في السعودية مشاهد كررتها إيران في العراق مئات المرات حتى تبلدت حواس الناس عليها، يكفينا مثال واحد وهو الهجوم على مسجد مصعب بن عمير قبل أقل من سنة في العراق الذي قتلت فيه الميليشيات المرتبطة بإيران ثلاثة أضعاف الذين راحوا في تفجير الصادق، وذلك رمياً بالرصاص أثناء أدائهم الصلاة.
إيقاف هذه الأعمال وضمان عدم تكرارها يحتاج إلى مواقف جادة وشجاعة تحاصر أسبابها من كل الجهات وتواجه حقيقة الأوضاع التي نعيشها بعيداً عن العاطفة، فلا يكفي إغلاق قناة وصال وهناك 60 قناة تقابلها تحرض على القتل وتنتج عشرات آلاف المجرمين الذين ينضمون للميليشيات التابعة لإيران، وشن الحرب على «داعش» وحدها لا يكفي ما لم تعلن الحرب على ميليشيات إيران حيثما وجدت، وخصوصاً في العراق الذي تحصل فيه على دعم حكومته، فما دامت هذه تقتل وتفجر وتنكل، فسنجد من يتعاطف مع «داعش» ويؤيد أعمالها.

بقلم: د. فراس الزوبعي