يقتلون 500 ويأمرون بالتقى!

دايل كارنيجي كاتب أمريكي مشهور، صاحب أهم مؤلفات في فنون التعامل مع الناس وضغوط الحياة وكيفية التخلص منها، أشهر مؤلفاته «كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس» و كتاب «دع القلق وابدأ الحياة» وهو كتاب مهم وضع فيه قواعد ممتازة في كيفية طرد القلق والانطلاق في الحياة بكل ثقة وسعادة، المفاجأة أن هذا الكاتب سيطر عليه القلق وعصفت الكآبة بحياته حتى يقال إنه قرر التخلص منها وانتحر!
المفاجأة الأكبر هي أننا نكتشف يوماً بعد يوم أن وضع الكاتب هذا ينطبق على السياسة الأمريكية الداخلية والخارجية وليس حكراً عليه، لا أعني هنا الكآبة، كذلك لا أعني القلق «احتراماً لاختصاص الأمين العام للأمم المتحدة»، لكن أعني السياسة التي ذهب إليه الشاعر بقوله:
وغير التقي يأمر الناس بالتقى طبـيب يداوي الناس وهو عليل
ففي الوقت الذي تنادي فيـه الولايـــات المتحدة بالكف عن القتل في العالم، بل وتذهب إلى أبعد من ذلك فتتدخل في شؤون دولة مثل مملكة البحرين وتعترض على حكم قضائي بسجن علي سلمان أربع سنوات بعدما أدين بجرمه، في هذا الوقت تنشر صحيفة الغارديان البريطانية تقريراً يفضح سلوكيات الإدارة الأمريكية داخل أمريكا، فقد ذكر التقرير أنه وقبل أن نكمل النصف الأول من العالم الحالي 2015 هناك 500 شخص قتلوا في أمريكا على يد الشرطة والقوات الأمنية، 49.6% من القتلى هم من البيض، و28.2% هم من الأفارقة، علماً أن نسبتهم في المجتمع الأمريكي هي 13.2% فقط، كذلك 14.8% من الأمريكيين اللاتينيين، أيضاً 95.2% من القتلى كانوا رجالاً، وكان 21% من كل القتلى مسلحين، وذكر التقرير أن الشرطة تمارس العنف بشكل مستمر، وطبعاً مثل هذه البيانات لا تنشرها الإدارة الأمريكية بل إدارة أوباما تعارض إنشاء قاعدة بيانات لحالات القتل على يد الشرطة على الرغم من المطالبات الحقوقية بذلك، لكن التقرير استند إلى تقارير وسائل الإعلام الأمريكي خلال هذا العام وجمعها.
الخطير في التقرير أيضاً أنه ذكر أن السنوات العشر الماضية شهدت آلاف القتلى على يد الشرطة، لكن من اتهم من الشرطة بقتل كل هذه الآلاف كانوا 54 ضابطاً فقط، وفق دراسة أجرتها إحدى الجامعات الأمريكية في أبريل الماضي، ومما ذكر أيضاً أن في أول خمسة أشهر من هذا العام قتلت الشرطة 385 شخصاً رمياً بالرصاص لكن التحقيق الجنائي فتح بشأن ثلاث حالات فقط! أتدرون لماذا؟ لأن النظام القضائي في أمريكا يقدم الحماية لرجال الشرطة وقد يكون العدد الأكبر من القتلى هم من المهاجرين الذين لم يحصلوا على الجنسية الأمريكية بعد، وهؤلاء يمكن تجاوز اعتبارهم من البشر، كل هذه الأرقام تجاهلتها وسائل الإعلام الأمريكية وركزت على فرار سجينين من السجن الإصلاحي.
بعد هذه البيانات نعرف لماذا أمريكا تدافع عن مجرمين وقتلة وتطلب إعادة النظر في محاكماتهم، ونعرف لماذا تدعم أنظمة القتل في المنطقة.

بقلم: د. فراس الزوبعي