قبل سبع سنوات كنت في رحلة سياحية إلى إسطنبول، كانت أول زيارة لي، لفت انتباهي انتشار الكلاب والقطط في شوارعها وقد علق في أذن كل منها قطعة من البلاستيك تحمل رقماً، فعلمت أن بلدية إسطنبول تمسك القطط والكلاب الضالة وتحقنها بالتطعيمات اللازمة ثم تطلقها، وهي بطبعها تألف الناس فتقترب منهم لتحصل على بعض الطعام.
في إحدى الليالي كنت مع ثلاثة من الأصحاب فاقتربت منا قطة، وكان أحد الثلاثة يتلفت يميناً ويساراً، قلت له ما بك؟ قال أبحث عن قطعة حجر، وليتك تسعفني بواحدة قبل أن تنتبه القطة! لا لشيء.. فقط تحركت فيه مشاعر طفولته تجاه الحيوانات وأراد أن يمارس ما كان يمارسه سابقاً ويقصف تلك المسكينة بقطعة الحجر، الموضوع اختلاف ثقافات ليس أكثر.
لكن ما قرأته وشاهدته الأسبوع الماضي كان أكبر مما تفعله بلدية إسطنبول، ففي العام 2006 قررت شركة «وكاياما» اليابانية للقطارات توظيف «تاما»؛ القطة المشردة في محطة «كيشي» للقطارات، كانت فكرة مجنونة لكنها تسببت في زيادة هائلة للمحطة بعدما شارفت الشركة على الإفلاس، ففي الشهر الأول من تعيينها ارتفع عدد راكبي القطار في المحطة بنسبة 17% وتسببت القطة بزيادة 1.1 مليار ين للدخل المحلي، حصلت «تاما» على ترقيتين حتى أصبحت ناظر المحطة وأصبح لها مكتب خاص، وكانت مهمتها استقبال وتوديع راكبي القطارات مرتدية الزي الرسمي للشركة؛ وهو عبارة عن قبعة وشارة، توفيت «تاما» الأسبوع الماضي وأقيمت لها جنازة ضخمة شارك فيها العشرات من موظفي الشركة وآلاف المواطنين فقد كانت محبوبة وتحظى بشعبية لدى الجميع، لم لا وقد أنقذت الشركة من مشكلاتها المالية وساهمت في زيادة عدد السياح.
هنا لا أريد إلا أن أتوجه بسؤال واحد إلى أتباع إيران الذين تسلطوا على حكم العراق فأقول لهم؛ أعجزتم أن تكونوا مثل «تاما» التي أنقذت شركة من الإفلاس وأدخلت الملايين، فحطمتم العراق وحولتموه من بلد غني إلى مفلس محمل بالديون وسرقتم ملياراته؟ أعجزتم أن تكونوا مثل تاما التي أحبها الجميع وحظيت بشعبية لديهم، وكنتم منبوذين مكروهين من الداخل والخارج بسبب كراهيتكم وعدائيتكم وطائفيتكم مع جيرانكم العرب وأبناء البلد الذين تسلطتم عليه، وكنتم كذاك الذي يبحث عن حجر ليضرب قطة ألفته ولم يألفها، أعجزتم أن تكونوا مثل تاما التي أدخلت السياح، فأدخلتم بدلهم ميليشيات إيران وعصاباتها وجاءتكم داعش لتحرقوا الأرض ومن عليها، لماذا هي أفضل منكم؟ كانت مشردة تتسكع في الشوارع وكذلك كنتم، حصلت على وظيفة وحصلتم على العراق، لها مكتبها الخاص ولكم القصور، ترتدي زياً رسمياً وترتدون أفضل البدلات الباريسية؟
تأكدوا إذا كانت تاما قد حصلت على تعاطف الآلاف عند موتها، فستحصلون على ملايين اللاعنين عند موتكم كما هو في حياتكم، وأبشركم هناك قطة أخرى اسمها «نيتاما» تحمل لقب مساعد ناظر المحطة، ستأخذ مكان «تاما»، فإن لم تتعلموا من الأولى فتعلموا من الثانية، وتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن تشبهكم «بالقطط» فلاح.
بقلم: د. فراس الزوبعي