شنت روسيا عملياتها العسكرية في سوريا، وواقع حالها يؤكد أنها لا تستطيع المطاولة فيها، فتكاليف هذه العمليات باهظة جداً، ومع أن رئيس الوزراء الروسي ديمتري مدفيديف صرح أن روسيا رصدت ميزانية هذه العمليات وأموالها متوفرة، لكنّ باحثين أمريكيين أكدوا أن روسيا يمكنها تغطية مصاريف هذه العمليات لمدة لا تزيد عن أربعة أشهر فقط، أضف إلى ذلك ما يمكن أن تجره هذه العلميات على روسيا إن استمرت، فهي بالتأكيد ستجعلها في مستنقع أسوأ من مستنقع أفغانستان، لكن كيف لروسيا أن توقف هذه العمليات وبأي شيء ستبرر ذلك، خصوصاً وأنها أطلقت حملتها للحفاظ على نفوذها ومصالحها بالحفاظ على بشار الأسد رئيساً لسوريا، وأعلنت أن هدفها ضرب تنظيم الدولة «داعش» والحفاظ على الأسد من السقوط؟
من هنا على روسيا أن تبدأ بإعطاء مقدمات تعطي الانطباع بأن الحملة العسكرية حققت أهدافها، وهذا ما نفذته بالفعل في الأيام القليلة الماضية وعلى جانبين:
الجانب الأول: يخص ضرب تنظيم الدولة «داعش»، وفيه تؤكد روسيا يومياً على أن سلاح الجو الروسي حقق نتائج ملموسة، ومع نهاية كل يوم تعلن روسيا أنها نفذت عشرات الطلعات وجهت من خلالها عشرات الضربات، نتيجتها تدمير أطنان من الأسلحة والذخائر وعشرات المقرات وقتل العشرات من عناصر التنظيم وتدمير معسكرات التدريب، وفي الوقت نفسه تفتخر بإنجازاتها الكبيرة التي حققتها خلال أيام وتهزأ بالتحالف الدولي الذي لم يحقق جزءاً يسيراً منها خلال أشهر طويلة، لكن في المقابل كل من هو على الأرض يؤكد أنها تبالغ في كلامها و80% من ضرباتها لم تكن موجهة لـ «داعش».
الجانب الثاني: ما يخص حماية بشار الأسد والحفاظ عليه رئيساً، فقد وضعوا لها مقدماتها أيضاً عندما ظهر رئيس الوزراء الروسي مؤخراً ليقول «نحن لا نقاتل لصالح قادة محددين وإنما ندافع عن مصالحنا القومية ومسألة الرئاسة في سوريا أمر يقرره الشعب السوري، شرط أن لا يصل تنظيم «داعش» إلى السلطة في سوريا»، لذا هم يقرون أن بقاء الأسد في السلطة ليس أمراً مبدئياً، في الوقت نفسه تعزز روسيا نفوذها من خلال عمليات تعميق ميناء طرطوس الذي يضم قاعدتها الوحيدة استعداداً لاستقبال حاملة الطائرات الروسية.
ما يعزز ذلك كله ما أعلنه بوتين يوم الجمعة الماضي أمام قادة رابطة الدول المستقلة في كازاخستان، عندما قال إن «العملية العسكرية في سوريا محكومة زمنياً بالعملية الهجومية التي يشنها جيش النظام السوري»، وبقوله هذا يريد أن يبعث برسالة مفادها أن حربه ليست حرباً مفتوحة وأنه لا يريد إنزال قوات احتلال كما فعلت أمريكا في العراق وأفغانستان، وبهذا أوجدت روسيا مبررات وقف حملتها، فهي في أي لحظة تريد فيها وقف الحملة تستطيع القول أنها دمرت قوة «داعش»، وهذه إحصاءات نتائج العمليات، حتى لو لم تحافظ على بشار الأسد، لكن هذا لن يكون ما لم تتأكد من أن مصالحها ونفوذها في خير.
بقلم: د. فراس الزوبعي