جيبوتي تقطع العلاقات مع طهران.. لا تستهينوا بها

أذكر عندما كنت طالباً في الجامعة كان أحد أساتذتنا إذا سأل سؤالاً وأراد إشراك الجميع، استهدف الطلبة الذين يجلسون في الزوايا آخر القاعة الدراسية، فهؤلاء دائماً يعرف عنهم الكسل وعدم الرغبة في المشاركة وأغلبهم إن حضر أحدهم لا يعد، وإن غاب لا يفتقد، ولذلك كان يناديهم ويقول لهم: «الأخوة اللي جالسين في جيبوتي.. ما رأيكم في الموضوع»، هذا على أساس أن جيبوتي بعيدة لا تأثير لها ولا يسمع صوتها كأصحابنا، لكن يبدو أننا لم نكن نعلم أن الجالسين في زوايا آخر القاعة لهم تأثير استراتيجي.
على الرغم من صغر مساحة جيبوتي إلا أنها تتمتع بموقع استراتيجي هام يجعل الدول توطد علاقاتها التجارية والاقتصادية والأمنية والسياسية بها، باعتبارها الدولة المفتاحية للقرن الأفريقي مع أنها أصغر دولة أفريقية فيه، كما إن موقعها الاستراتيجي جعلها تسيطر على مضيق باب المندب بالإضافة إلى أرتيريا من جانب ومن الجانب الآخر اليمن، هذا المضيق يعد شرياناً رئيساً للحركة الاقتصادية والتجارية العالمية، وهو رابع أكبر الممرات المائية في العالم، وللمضيق أهمية استراتيجية كبيرة للدول المصدرة للنفط والبضائع، فالبترول الخليجي وبضائع شرق آسيا تتدفق من خلاله، وهو مضيق تمر به سنوياً أكثر من 30 ألف سفينة، و30% من تجارة نفط العالم تمر من هناك.
أما جيبوتي نفسها ففيها أهم ميناء بحري حيث تبرز أهميته البحرية والاستراتيجية باعتباره نقطة الانطلاق من المياه الدافئة إلى قلب أفريقيا لوقوعه على قمة القرن الأفريقي، ولذلك أدركت دول العالم أهمية هذه الدولة الصغيرة الفقيرة فتواجدت فيها أكبر عشر اقتصادات في العالم، فضلاً عن ست منظمات دولية، وثمان قواعد عسكرية للدول الكبرى، مثال بسيط على أهمية هذه الدولة في العلاقات السياسية، تركيا التي وضعت خطة خمسية لتوسيع علاقاتها مع الدول الأفريقية ركزت على جيبوتي مفتاح هذه الدول، وبعد أن كان لها في عام 2013 شركتان فقط يعمل فيها 12 مواطناً تركياً، لها اليوم 15 شركة يعمل فيها 300 مواطن تركي.
قطعت جيبوتي علاقاتها مع إيران تضامناً مع المملكة العربية السعودية، وطردت السفارة الإيرانية منها، ولا يجب الاستهانة بهذه الخطوة فلها أهميتها وتأثيرها على إيران ومصالحها، لأسباب منها أن لإيران مصالح في أفريقيا وجيبوتي مفتاح القرن الأفريقي وبقطع العلاقات ستتأثر المصالح الإيرانية بشكل وآخر، كذلك لميناء جيبوتي أهمية كبيرة عند إيران، ففيه يجري تفتيش سفنها الذاهبة إلى اليمن، وفيه يتم إعادة التزود بالوقود وإعادة الشحن، كما إن إثيوبيا تعتمد تجارتها على ميناء جيبوتي وهذه بينها وبين إيران تبادل تجاري وبضائع تدخل وتخرج عن طريق ميناء جيبوتي، وقطع جيبوتي علاقاتها مع إيران سيؤثر على إيران سياسياً واقتصادياً ويضيف عليها كلف وأعباء جديدة.

بقلم: د. فراس الزوبعي