أمريكا وإيران و»داعش» ومجموع أدواتهم، كلهم الآن في حرب اختلطت أوراقها باختلاط مصالح كل طرف منهم بالآخر، والخاسر الأكبر طرف آخر لا علاقة له بهذه الحرب إلا كونه وقوداً لها.
بعد أيام ليست بالقليلة على انطلاق هجوم الميليشيات الشيعية العراقية والجيش الحكومي بقيادة قاسم سليماني وقادة آخرين في فيلق القدس الإيراني، مدعومين بطائرات التحالف الدولي الذي تقوده أمريكا على الفلوجة، كانت النتائج الآتية باختصار: لم تتقدم القوات المهاجمة باتجاه الفلوجة أكثر من ثلاثة كيلومترات وحتى هذه المنطقة هي ساحة حرب وليست أرضاً محسومة لجهة، كما أن بعضاً من مستشاري الحكومة العراقية يقولون إن كل ما تحقق من تقدم حتى اللحظة لم يصل إلى حائط الصد الذي حددته «داعش»، في المقابل أعداد القتلى في صفوف الميليشيات كبير جداً بحسب شهود محليين لم يستطيعوا تحديد الأعداد على وجه الدقة لكنهم يقولون إن أعداد القتلى يفوق الأعداد التي كانوا يرونها أيام المعارك مع إيران خلال الحرب العراقية الإيرانية، ومشاهدة ذلك أمر ليس بالأمر الصعب فهؤلاء القتلى يدفن أكثرهم في النجف ويمكن بسهولة رصد أعدادهم، أما أمريكا فلم تستخدم السلاح الجوي بزخم يسمح لهذه الميليشيات والقوات الحكومية حسم المعركة كما فعلت من قبل في أماكن أخرى، وأما المدنيون الأبرياء من أهل الفلوجة والمناطق المحيطة بها فهم فريسة الميليشيات والقوات الحكومية، وفي خضم كل ذلك كل جهة مشتركة في الهجوم لها مصلحة تختلف عن الجهة الأخرى، وباختصار أمريكا تريد أن تخرج «داعش» من الفلوجة وتريد أن يتحقق اجتياح المدينة وانكسارها لكن بعد أن يقتل أكبر عدد ممكن من الميليشيات ومن أهل الفلوجة، وإيران تريد اجتياح المدينة وإبادة أهلها لتعلن نهاية العرب السنة في العراق، و»داعش» تريد الاحتفاظ بالأرض التي سيطرت عليها.
علينا أن نتذكر أن الهجوم على الفلوجة جاء بعد تطور صراع شيعي شيعي في العراق وكان الهجوم محاولة لتأجيل أو فض هذا الصراع، لكن وبعد النتائج الحالية وحدوث خسائر كبيرة في صفوف الميليشيات بدأ أهالي قتلى الميليشيات يتذمرون ويتساءلون لماذا يقتل أبناؤنا في أرض ليست أرضنا وليست فيها مقدساتنا؟ فظهر الصراع الشيعي الشيعي من جديد، وهو صراع على تقاسم مكاسب قديمة وليس صراعاً على مكاسب جديدة، فنرى مثلاً ميليشيا مقتدى الصدر بدأت بحرق وإغلاق مكاتب «حزب الدعوة» والمجلس الأعلى التابع لعمار الحكيم وأحكمت سيطرتها على سامراء وطردت غيرها من الميليشيات، كل ذلك أدى إلى أن يسحب عمار الحكيم الميليشيا التابعة له من أطراف الفلوجة إلى بغداد والجنوب ليتجنب مزيداً من الخسائر بالأرواح ويحافظ على مكاسبه هناك، فبقيت إيران والميليشيات المرتبطة بها مباشرة.
أما الحكومة فتدرك هذه الحقيقة فراح إعلامها يصنع انتصارات وهمية لا علاقة لها بالواقع ويبرر تأخر اجتياح المدينة بالحفاظ على المدنيين مع أنها تقصف المدنيين هناك، ومن يتمكن منهم من الخروج تقتله عند خروجه، حتى جاوز عدد الذين قتلوا نحراً وحرقاً وسحقاً بسرف الدبابات من أهالي أطراف الفلوجة المئات.
في نهاية المطاف ستحسم أمريكا المعركة في الوقت الذي تريده مستخدمة الجو، فكل طرف يتحرك وفقاً لمصالحه إلا أهل المدينة الذين يتعرضون لأبشع إبادة جماعية فهم الخاسر الوحيد.
بقلم: د. فراس الزوبعي