بدون مقدمات.. صوّت الشعب البريطاني على خيار الخروج من الاتحاد الأوروبي، ولذلك أسباب معلنة وأخرى حقيقية، والحدث حلقة في سلسلة تحولات عالمية ضخمة، فهل ستكون لنا حلقات في هذه السلسلة أم ستلف على رقابنا؟
معسكر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ركز في دعواته للخروج على مشكلة اللاجئين وعدم قدرة الاتحاد الأوروبي على إدارة المشكلة بشكل صحيح، معتبراً ذلك خطراً على أمن واقتصاد بريطانيا، وأرعب الشعب من تبعات هذا الأمر، وإن كان اللاجئون المسلمون تحديداً يشكلون هاجساً مخيفاً على من يحرك السياسة البريطانية فعلياً، إلا أنهم لم يكونوا أكثر من حصان طروادة الذي استخدمه اليمين ومعسكر الخروج ونجح في ذلك نجاحاً كبيراً. والأسباب الحقيقية للخروج أكبر بكثير من هذه المشكلة، فبريطانيا لم تتورط في هذا الاستفتاء وخططت للوصول لهذه النتيجة منذ زمن، بل إن قرار الانسحاب قديم وأكثر من ذلك أنه منذ البداية لم تكن بريطانيا مستعدة للبقاء وأبرز مؤشرات هذا الأمر عدم تغيير العملة والدخول في اتفاقية «الشنغن» وبعض القرارات السياسية المتفردة، وأهم الأسباب الحقيقية وراء هذا الانفصال هو سعي بريطانيا لاستعادة سيادتها الكاملة وسيطرتها على نفسها بعد أن تخلت عن جزء منها لفترة لصالح منظومة أخرى لسنوات، وهي منظومة أضعفت بريطانيا بقوانينها الاقتصادية والمالية، ويأتي ذلك في فترة أنهى فيها العالم سنته المئة بتشكيلته الحالية، والآن بدأ مرحلة تحولات تشهد تكتلات جديدة تتبدل معها ملامح القوى الحالية، ولا تقبل بريطانيا أن تبقى على وضعها الحالي خصوصاً أنها مازالت تحتفظ بمفاتيح الدول التي كانت تحت التاج البريطاني أيام أمجاد الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، لذا عليها أن تقوي نفسها ولتعود إلى هيمنتها السابقة ستبدأ بإعادة ترتيب قوانين الهجرة والاتفاقيات التجارية وقوانين الضرائب والاستثمار والحقوق العمالية وغيرها.
بين كل ذلك علينا ألا ننسى أن العالم الغربي عالم رأسمالي يقوده أصحاب المال وبمجرد الإعلان عن نتائج الاستفتاء اهتزت أسواق أوروبا المالية وتكبدت البورصة خسائر كبيرة وارتفع سعر الذهب بنسبة 7 % وهو أمر قد يستمر طويلاً، وإذا كانت هناك خسائر فبالمقابل هناك أرباح تدخل ميزانية من خطط لهذا القرار، وستستخدم بريطانيا نتيجة هذا التصويت لتحقيق أكبر قدر من المكاسب على حساب الأوروبيين أنفسهم، وستكون هناك تحالفات معها بشكل مختلف عن وضع الاتحاد الأوروبي، وبالتأكيد لا يمكن التكهن بشكل دقيق بصورة المشهد القادمة فلم يسبق أن خرجت دولة من الاتحاد والمشهد لم يكتمل بعد وهو ضبابي الآن، لكنه وضع مخطط له وليس عبثياً.
ما يهمنا نحن العرب والمسلمون، وضعنا النهائي في المشهد بعد عقدين من الزمن، إن بقينا على حالنا ولم نتخذ خطوات باتجاه تحالف من نوع جديد يجعل منا حلقة في سلسلة التحولات الحتمية الجارية وعنصراً فاعلاً فيها سنجد هذه السلسلة التفت على رؤوسنا وتسببت في إعدامنا، لذا نحن بحاجة إلى تحالف غير مرتبط بالتحالفات التقليدية يجعلنا ضمن القوى العالمية.
بقلم: د. فراس الزوبعي