تدرك تركيا جيداً حقيقة التغييرات الاستراتيجية العميقة التي تحدث في العالم وتعيد تشكيله بعد مضي مائة سنة على شكله الحالي، وبدل أن تخسر أجزاء من أرضها تكسب أخرى، ولتحقيق هذا الهدف تستثمر كل شيء حولها.
قبل خمسة أيام أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن بلاده قررت منح جنسيتها للاجئين السوريين المتواجدين على أراضيها الراغبين بذلك، وشكلت لذلك مكتباً خاصاً في وزارة الداخلية لتنفيذ هذا القرار، والمهم في هذا الموضوع المكان الذي تم الإعلان منه والحضور الذين استمعوا له، ففيه أكثر من دلالة، حيث كان المكان مدينة «كلس» التركية وهي مدينة تقع في جنوب تركيا الذي يعاني من هجمات حزب العمال الكردي الذي تصنفه تركيا منظمة إرهابية، وهذه المدينة لها خصوصيتها، أولاً لأنها مدينة حدودية مع سوريا وفيها معبر باب السلامة، وترتبط ارتباطاً وثيقاً بريف حلب السوري، يعتبرها الأكراد ضمن كردستان التركية، في حين سكان المدينة خليط من الأكراد والعرب، ازداد عددهم أكثر من الضعف بعد عمليات اللجوء المتكررة للسوريين، أما من حضر الإفطار الذي أعلن فيه أردوغان هذا الخبر كانوا أسر الشهداء الأتراك وعائلات سورية لاجئة، ومع أن اللاجئين السوريين يفوق عددهم 2.749 مليون لاجئ، كثير منهم يعيش في إسطنبول ومدن أخرى اختار أردوغان لإعلانه مدينة عدد اللاجئين فيها 100 ألف لاجئ فقط، ودلالات هذا ترتبط بالأكراد، وبعلاقة تركيا بما يحيط بها من الأراضي السورية وحتى علاقتها مع روسيا.
يبدو أن تركيا ومن خلال هذه الخطوة تخطط لتوسيع رقعتها الجغرافية والتخلص من مشاكل حزب العمال، وبدل أن تكون لهذا الحزب دولة داخل الأراضي السورية تكون جارة لتركيا، لم لا تكون تركيا جارة نفسها، فبعد تجنيس ما يقرب من 3 ملايين سوري جاء كثير منهم من مناطق قريبة من تركيا، يمكن لهؤلاء أن يجروا استفتاء لانضمام مناطقهم إلى تركيا باعتبارهم سوريين بعد عودتهم إلى أراضيهم سواء بعد استقرار نسبي للأوضاع أو إذا ما فرضت منطقة آمنة، وبدل أن تدخل تركيا جيشاً للتعامل مع حزب العمال الكردستاني وتدخل في أزمة مع أمريكا حليفتها، تضعف وضعهم بأعداد هائلة من العرب الذين سيصبحون مواطنين أتراكاً، يضيع عدد أتباع الحزب بينهم، لكن المناطق السورية التي تقع جنوب تركيا لا يمكن أن تعمل فيها تركيا دون ترتيب أوراقها مع روسيا كما لا يمكن لروسيا أن تعمل شيئاً دون ترتيب أوراقها هي الأخرى مع تركيا، ولذلك يجري الآن ترتيب العلاقات التركية الروسية.
يضاف لذلك مكسب جديد لتركيا التي حققت مكانتها الحالية بسبب النمو الاقتصادي، فتركيا تنظر للاجئين بالعين التي تنظر فيها الدول الصناعية الكبيرة وتعدهم مورداً مهماً يزيدها غنى وقوة، فبحسب تقرير المنظمة العالمية للتعاون والتنمية الاقتصادية «OECD» الذي درس التأثير الاقتصادي للمهاجرين على 27 دولة من الدول الصناعية، أن متوسط الفائدة التي تجنيها هذه الدول من كل مهاجر يصل إلى 3283 يورو سنوياً.
القرار التركي ما هو إلا خطوة تخطوها تركيا لحجز مقعدها في العالم الجديد، خطوة تدل على أن تركيا ستكون من بين الدول التي تتوسع رقعتها لا من الدول التي ستتقلص أو ربما ستزول بالكامل، وهو أمر يؤكد أن المرحلة القادمة توجب على الدول التي تريد البقاء أن تخطو خطوات غير تقليدية.
بقلم: د. فراس الزوبعي